د. ميادة الباجلان
يعد الطفل امل المستقبل واشراقته، فبناء الطفل بناء أمة، لما تحمله هذه المرحلة من براءة، وعفوية، بشكل يحاكي دوافع الطفل واحساساته، لذا تلعب الثقافة والمعرفة دورا هاما في حياة الطفل، من خلال تنشئة طفل وتغير واقع حاله للأفضل كي يكون قادرا على الحياة والخوض فيها، لذا يسعى الكتاب والأدباء والفنانين الى البحث عن حرية الطفل وقضاياه الأساسية، فمن خلال متابعتي وولوجي عوالم الأدب والفنون غلبني الشوق للبحث والتعرف بكتاباته والتوغل والبحث عنها وقراءتها إنه الكاتب العراقي (فاضل الكعبي) المتخصص في أدب الطفل ومسرحه، مبدعا في الشعر، والأناشيد الغنائية، والقصة.
تجاوزت خبرته أكثر من 40 سنة، اذ قدم من خلالها العديد من الاسهامات في الدراسات الاكاديمية داخل وخارج العراق، وقد اعتمد العديد منها كمناهج ومراجع علمية متخصصة في ميدان الطفل وادابه، وأثرى المكتبة العربية من الروائع الأدبية والمسرحية، فكانت له سيرة حافلة بالإبداع والعطاء في الشعر، والقصة، والمسرحية، وتنظيرا في الدراسات والبحوث المتخصصة وعيا تنظيريا للكتابة الابداعية في الأدب والمسرح وثقافة الأطفال.
إن تجاربه الغنية انطلقت من ثقافة ووعي وابداع ، إذ تأتي نصوصه، وأسلوب حكاياته الشعرية، عبر تعبير مبسط حاملا المعاني والألفاظ بلغة سهلة الفهم والتداول بين الأطفال، للاحداث المتسلسلة، فيركز (الكعبي) اهتمامه على المسألة التعليمية المبسطة للقصة والمسرح الذي يترسخ بدوره في ذهن الطفل ويزيد من خبراته التعليمية، واللغوية، والتعبيرية فضلا عن التسلية والترفيهية في بيئة جمالية تحقق الاندهاش والاندماج والمتعة عن طريق زج شخصيات ادمية وحيوانية، ونباتية فانتازية، تسهم في بناء شخصية الطفل وتنمي مهاراته الابداعية للمستوى الادراكي، وتصقل موهبته مراعية للمستوى الثقافي والعلمي للطفل ومراحله العمرية ومستواه الادراكي، إذ ربط (الكعبي) بين التشويق والفائدة بجانب المتعة والترفيه في أغلب قصصه فضلا عن الاقناع لجذب المتلقي(الطفل) فمن أهم مميزات كاتب الأطفال قوة التعبير والتأثير على الوجدانية للحكايات والاحداث الدرامية يسعى الى ابقائها راسخة في ذهن الطفل.
تجسدت حكاياته برؤية شاعرية عبر التنوع في الكتابة الابداعية، ووجدت في كتابات (الكعبي) الربط ما بين الفانتازية والواقعية للشخصيات القريبة الى واقع المتلقي(الطفل) وذهنه، والمعالجة الابداعية الخيالية التي تتناول الواقع الحياتي برؤية غير مألوفة للواقع المعاش، إذ ربط هذه الرؤية الفانتازية برؤية واقعية من خلال أنسنة هذه الشخصيات في محاولة بث الفكر والروح والعاطفة الى واقع في تكوين الطفل الخيالي برؤية فانتازية تتأرجح بين الواقع والخيال لخلق ابجديات تشكل معادلا موضوعيا تؤثث لحياة جديدة للرؤية الابداعية التي تشكل جانبا أساسيا في تكوين الطفل الخيالي والفكري على وفق حاجاته النفسية، وميوله واستعداداته العقلية الثقافية والوجدانية بطريقة مبسطة ومحببة عبر اشتغالاته وتطلعاته الانسانية الجديدة وجهده المعرفي ودوافعه النبيلة، التي نادى بها في النهوض بواقع الطفل والعيش في بيئة صحيحة تعينه على تنامي قدراته ومدركاته العقلية وضبطه متماشيا مع التكيف الاجتماعي بيئته وأقرانه، ونادى بضرورة العمل والسعي في شحن الجيل المقبل بآليات تمكنه من العيش بايجابية اذا ما حاول السعي الانساني للحفاظ على شخصيته وبيئته ومجتمعه في أطر العيش الرغيد، وأكد في كتاباته على ضرورة زرع المحبة، والتعاون، والاخلاص، والشجاعة، واستخدام الذكاء للوصول الى الحلول والغايات والأهداف المرجوة للخطاب الجمالي والمعرفي .
يؤكد (الكعبي) ان ثمة فروقا شاسعة بين طفل الأمس وطفل اليوم في النمو، والرقي، والتطور، والواقع على المستوى الانساني والثقافي والنفسي والتربوي، فاليوم فوضى تعم عوالم الكتاب والنشر والمسرح في واقع أدب الطفل، وأصبحت الرؤية غير واضحة أدت الى سوء الذائقة الجمالية، فأصرخ بأعلى صوتي( أنقذوا أطفالنا) من مؤثرات هذا التلوث واعملوا على تقنية أجواء ومناخات تلائم المشهد الابداعي والثقافي والبيئي للطفل .
أن خطورة اهمال الطفولة وتجاهل حاجاتها المتعددة من شأنه أن يعوق سبل المجتمع ووسائله بالوصول الى التنمية الانسانية المطلوبة، إذ يؤكد (الكعبي) حول قضية ثقافة خصوصية واقع الطفل وتفعيله والنهوض به بأنه موضوع شائك وواسع ومتعدد الجوانب والاتجاهات والمشكلات ولا يمكن عنه الحديث بأسطر أو صفحات، إنه مأزوم ومؤطر بأكثر من قضية ومشكلة لها علاقة أكيدة بالواقع الحالي المتلبس واهمالاته للطفولة وقضاياها بسبب قصور النظر الى الطفولة وبسبب استشراء الفساد والمفسدين في المفاصل التي يفترض بها أن ترعى الطفولة، وحمل الكعبي هموم الطفولة وواقعه في العراق، بأنه واقع متردي على مستوى حاجات الطفل بسبب الحروب والاحتلال والظروف القاسية التي عانى منها الطفل .
تستحق تجربة الكتابة للأطفال التي قدمها الأديب فاضل عباس الكعبي فهي جديرة بالقراءة والاعجاب لما تستنطقه من أبعاد دلالية وتعبيرية وجمالية، وما أمس حاجتنا اليوم الى أدباء حقيقين محبين كالكاتب الكعبي ..
0 تعليقات