وداد فرحان - سيدني
رمضان ضيفنا السنوي الذي نختلف في صناعة صورته، فهو شهر التدبر والعبادة، والتفكر العميق في معانيه التي تدعونا للبذل والإيثار، فهو محرك العودة الى الالتصاق بالسمو، والتجرد من الانانية، لصنع صورة السلام الذاتي، والارتقاء بالروح الى درجة الصفاء.
إنه شهر الجود بمعناه العميق -والجود بالنفس أقصى غاية الجود- ليس الجود أن نجعله مظاهرة للتبذير وظاهرة للإنفاق اللامبرر، أو نسبغ عليه مشهدا من مشاهد الاستهلاك لدرجة فقدان بريق غايته، فالعائلات تتسابق في تدجيج مخازن بيوتهم من الأطعمة والمشروبات، كأن طوق حصار اقتصادي قد ضرب عليها.
إنه الشهر الذي يرتجى منه مجاهدة النفس والعودة بها الى التأمل ومحاسبتها، وليست الغاية منه سهر الليل في متابعة المسلسلات وبرامج الطبخ والسباقات وفوازير رمضان والكاميرا الخفية، حتى أصبحت مشاهدتها لصيقة بمعاني رمضان، تتغير ساعاتنا البيولوجية فتختل الاوقات ويتغير النهار الى ليل، ما يؤدي الى اختلال في النظم العامة والعجز عن أدائها.
لقد تلاشت معاني الشهر الكريم بشكل ممنهج، وسرقت منه غاياته الروحانية التي تخلصنا من ثقل الذنوب، وتضع عن كاهلنا هموم الالتصاقات المادية، وتشذبنا من الانحرافات الملاصقة لنا في تصرفاتنا اليومية.
نحتاج أن نمنهج خطابا واحدا غايته العودة الى العقل والإنسانية وتشذيب الشخصية، مما يحيط بها من نفاق وعدوانية، حتى نستيقظ على "حس الطبل" بروح مختلفة، لا نتسابق لشفط الطعام والشراب، بل لاستنشاق نفحات الشهر، كي نخلع عنا تلك النفس الأمارة بالسوء، ويكون شهر رمضان بحق كريما علينا.
0 تعليقات