بقلم/ أمل محمد ياسر سورية/ دمشق
برهان شاوي: شاعر وروائي وسينمائي ومترجم وأكاديمي عراقي من مواليد 1955، درس السينما في موسكو، والإعلام في ألمانيا، والعلوم السياسية في جامعة موسكو الدولية لعلوم الاجتماع في روسيا. أصدر أكثر من أربعين كتاباً، تأليفاً وترجمة.
غادر العراق في عام 1976 بدأ النشر في الصحافة العراقية والعربية منذ العام1971 درس السينما في موسكو مابين 1980-1986 وبدأ العمل في الصحافة العراقية والعربية منذ العام 1973.
ويعتبرّ كاتبنا المغوار من كبار الأدباء الذين واجهوا الواقع وواجهوا النقاد بروح مشرقة تسعى لإبراز الواقع وإبراز أعمال خالدة، وبالجدير بالذكر بأنه كتب " المتاهات" التي تعتبر إلى الأن أكبر رواية عربية عبر التاريخ، ومازال بصدد كتابة المزيد من أجزائها.
وبالنسبة للتجديد في السرد الروائي الذي جاء به ' برهان شاوي' في كتابة المتاهات، تناصه من جحيم دانتي الذي يحتوي على تسع طبقات واعتبرها الملحمة الأولى التي تضم المتاهات كما يأتي ( متاهة آدم، متاهة حواء، متاهة قابيل، متاهة الاشباح، متاهة إبليس، متاهة الأرواح المنسية، متاهة العميان، متاهة الأنبياء، متاهة العدم العظيم) وواصل كتابته للملحمة بالقسم الثاني والذي يتناص مع مطهر دانتي وهو الفاصل بين الجحيم والفردوس، حيث بدأها برواية ( فندق باب السماء"مملكة الموتى الأحياء" ) التي تتكون من جزئيين والجزء الثاني منه بعنوان ( مطهر الخطايا المقدس) وسوف يتبعها بسبع روايات متسلسلة تناصاً مع المطهر.
وإن لبنى الأساس التي بنيت عليها متاهات' شاوي' هي فتح الستار عن مايسمى( الثالوث المحرم) وهو "الجنس، والمقدس ' الدين'، والعنف السياسي) وقد تسبب ذلك في تحريك الرأي العام ضده.
وأيضاً 'الشاوي' يتبنى رؤيا فلسفية خاصة نجدها بتتبع رواياته، حيث أنه يحاول جاداً دفع المتلقي لطرح الاسئلة، فلا يوجد لديه أجوبة، فهو يريد من المتلقي أن يعيش القلق.
وفي مقاربة له بأسلوب "فيودور دوستويفسكي" الفيلسوف والروائي الروسي يعترف بأنه تأثر به تأثيراً بيناً عند الإطلاع على أعماله ويعتبره 'الشاوي' المعلم الكبير له؛ فتقوم روايات "دوستويفسكي" على المعارضة بين إرادة الإنسان ومصيره الذي لا فكاك له منه، الإنسان الذي ينخرط مدفوعًا بالأمل والرغبة في وجود لا يفهمه، ولا يستطيع أن يمتلك المعاني فيه امتلاكًا كاملًا أبداً، وكان "دوستويفسكي" مفتونًا بالإنسان، مأخوذًا بتعقيداته؛ ليصبّ كل اهتمامه الأدبي على فهم طبائع البشر، وإدراك اختلافاتهم، والنفوذ إلى أعماق أرواحهم ورسم صورة كاملة عن مختلف أشكال حياتهم وأفكارهم ومشاعرهم؛ إنه يحاول استكشاف سلوك الإنسان باعتباره كائنًا غير منطقي؛ تتأثر أحلامه ومخاوفه وآلامه بأشكال مختلفة لا تتبع منطقًا واضحًا، أو طريقًا واحدًا... وهذا ما نجده في تطبيق إبداعي جلي في روايات " شاوي" الذي يعتبر النافذة بين القديم والحديث.
كما تعتمد روايات"برهان شاوي" على التحليل النفسي على طريقة دوستويفسكي بضمن المناهج الفرودية ومابعد الفرودية وبهذا يرتكز على الجانب البايولوجي في الإنسان وعلى الجنس باعتباره محورا لفضائه النفسي.
وبالإضافة إلى ذلك يمثل" شاوي "أبرز من كتبوا بتقنية 'الواقعية السحرية أو العجائبية ' فتقوم هذه التقنية على المزج بين العناصر المتقابلة في سياق العمل الأدبّي، على أن تكون متعارضة مع قوانين الواقع التجريبي يقوم على خلط ومزج بين الاوهام والمحاولات والتصورات الغريبة بسياق السرّد. كما توظّف هذه التقنية عناصر الفانتازيا كقدرة الشخصية على السباحة في الفضاء والتحليق في الهواء كما ان الفانتازيا تستمد عناصرها من الخرافات والحكايات الشعبية والاساطير وعالم الأحلام والكوابيس. كما نجد " برهان شاوي" في تطبيق بعض الأساليب السردية التي قامت في ما بعد الحداثة ' كالميتاسرد أو ما يسمى بالسرد الماورائي' وهو رواية عن رواية تتضمن تعليقها على سردها و يعد القص الماورائي نوع من الكتابة السردية التي تختبر أنظمتها الروائية و طرق ابتداعها و الأساليب التي تم توظيفها لتشكيل واقعها الافتراضي ، كما أنها ليست جنسًا أدبيًا بل هي نزوع يتولد من داخل الرواية.
عند الاطلاع على "متاهة آدم" نجدها مُقولبة في قوالب روايات أخرى تحمل في طياتها العديد من الروايات والعديد من المؤلفين داخل متاهته الاولى فهي عبارة عن ثلاثة روايات في قالب واحد.. عند قراءتي لمتاهة آدم لاحظت أن آدم البغدادي (الرواية الأصلية) يعلق في نهاية كل قسم من روايته على بعض التعديلات التي يمكن أن يقوم بها لاحقا، وأيضا هناك آدم التائه ( هو الشخصية الرئيسية من رواية آدم البغدادي) وهو كاتب يكتب رواية ايضاً، وأما عن آدم المطرود (و هو الشخصية في رواية آدم التائه) وهكذا فأن كل شخصية من هذه الشخصيات يعتبر بطل لرواية بداخل رواية أخرى.
ينتقل الراوي العليم "برهان شاوي" بين الروايات الثلاث في كل حين يلقي الضوء على أفكار شخصية ويخفي ما يدور من أفكار للشخصية المقابلة ويفتح عن تلك الأفكار في وقت آخر وهذا ما يجعل القارئ في تشوق وتلهف للأحداث أما في الهامش الميتاسردي يجري التعليق على حسب من يكتب ،مثلا آدم التائه يكتب تعليقاً على روايته التي كتبها ضمن روايات آدم البغدادي التي يكتبها أصلا برهان شاوي وينتهي الشاوي بتعليقه أيضا بعد تعليقات الآخرين ويعلق آدم البغدادي أيضاً على تعليق آدم التائه وهكذا.....
أما عن ثنائيات العبث، تلك الثنائيات التي لا تزال تعتبر الهاجس القديم لمجتمعاتنا التخبط بين الخير والشر وتسميته لشخصياته آدم وحواء وتعمقه فيهما، وتخبطه بين الشعور واللاشعور و الخيال والواقع والحلم واليقظة تلك الثنائيات التي تجعل الواقع في فجوة إما هذا وإما هذا.. وإما لا شيء. فحاول أديبنا أن يحطم جميع التابوهات وأراد أن يزيل جميع الغرغرة عن الخفايا كان واضحاً وربما وضوحه هذا ادخله في مشاكل ونقد كبير على الصعيد الحياتي إلا أنه يرى بأن الأديب يجب أن يكون واضح وصريح يعبر عن جميع مكنونات عقله وجميع أفكار ومشاعر شخصياته،، كون شخوصه واقعية وليست خيالية ويعتبر بأن أيّ إخفاء الحقيقة بشخوصه يوقعها بضباب سرمدي كما أنه يفصل بين ما يكتبه وبين القارئ فهو لا يكتب لشخص معين أو لعقلية ذات خلفية ثقافية معينة هو يكتب ما ينساب مع العرض الروائي ضمن الفكرة والحادثة والشخوص من غير أن يقع بفخ التعتيم. من شدّة وضوح شخصياته نشعر بأننا جميعنا نمثل شخصيات أديبنا في الواقع.
رواية المتاهة بأجزائها ونتاجاته الأدبية اللاتي يكشفن عن ثقافة الشاوي وخلفياته المتنوعة التي تعكس تعمقه بالواقع و اسفاره وخياله الخصب بلغته المشحونة بالألفاظ والمعجم اللغوي؛ تعتبر نتاجات مبهرّة تحتاج لتأمل عميق، كما أن ذلك التقريب من التقديم والتأخير الزمني الذي نعيشه في روايته يجعلنا في دهشة وتعمق نتوه في متاهته وتقوم انفسنا بتحليلات تائهة...هذا هو برهان شاوي هذا هو دوستويفسكي الرواية الحديثة.
0 تعليقات