عبد الجبار الجبوري
لم نتفاجىء نحن العراقيين، من إنسحاب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر،من الإنتخابات والعملية السياسية،فقد فعلها أكثر من مرة قبل ذلك،وعاد تحت ضغط الآخرين،اليوم يختلف إنسحابه،عن الإنسحابات السابقة، فقد كانت إنسحاباته بسبب زعله على فساد أعضاء تياره،وخذلان البعض منهم له،بل وخيانته،أو فشل التيار في تنفيذ توجيهاته وإصلاحاته،ولكن الآن، الانسحاب حصل وقلب الطاولة على خصومه لعدة أسباب ،منها فقدانه جماهيرته في الجنوب ،بعد محاولته إفشال تظاهرات الشعب وركوبه الموجه،(حسب تصريحات قادة تشرين وجماهيرها)،والسبب الآخر،إدراك السيد الصدر، أن تياره سيخسر الانتخابات ولن يصل الى رئاسة الوزراء ،كما يحلم ويصرّ ويعلن هو وتياره،ناهيك عن الفساد الواسع في تياره ووزرائه ،والذي يعاني منه السيد الصدر نفسه،ويحاول أن ينأى بنفسه عنه،رغم العقوبات الكثيرة التي عاقب فيها ،وزراء ومسئولين وحجزهم وطردهم من التيار،ولكن ورغم ان هذه الاسباب ،ربما لايراها المراقبون مهمة وأساسية،ولكنها مدخل ومبرر للصدر أن يتخّذ هكذا قرار،في لحظة تاريخية حرجة جدا ،يمر بها العراق والمنطقة والعملية السياسية،لحظة فارقة ،بين ذهاب العراق الى نفق أظلم ،من الذي هو فيه،نفق مجهول، لايمكن التكهن بمصيره ، وسط تهديدات إسرائيلية وأمريكية ، لتصفية حسابتها مع إيران وفصائلها على أرض العراق،إذن تأتي أزمة إنسحاب الصدر من المشهد السياسي العراقي، لتضيف (محنة ) أخرى أمام الكاظمي الذي يصرّ على إجراء الانتخابات البرلمانية ،تحت أي ظرف ومهما كلف الامر، وهذا محال أمام إنسحاب التيار الصدري ،وترك الكاظمي وحيداً، يصارع أمواج عاتية من الخصوم، يضمرون له الشرّ،فالكاظمي الآن أمامه طريقان لاثالث لهما ،وأحلاهما أمرّ من ألآخر،ألأول هو إجراء إنتخابات بلا تيار الصدر،وهذه كارثة للكاظمي أن يخسر(سيد المقاومة وتياره)، إنتخابات فيها التزوير أشدّ وأفضع من سابقه،أو تأجيل الأنتخابات لأسابيع،ريثما يتم إقناع الصدر عن العدول عن قراره،والعودة لللانتخابات ،وهذا الرأي هو الأرجح،(يقوم اليوم الرئيس برهم بزيارة السيد مقتدى الصدر في الحنانة بالنجف)،في محاولة لثني الصدر عن قراره الكارثي على العملية السياسية المسدودة سياسياً،إن إنسحاب الصدر هذا ،وقع كالصاعقة على إيران وقادتها وفصائلها وسحب البساط من تحت أرجلهم،لأنه سيخلط الاوراق على حلفائها في العراق،ويزيد الطين بلّة لها ،في حين إستقبل خصوم السيد الصدر القرار ،بشيء من الإرتياح،وخاصة منافسوه في رئاسة الوزراء،ومنهم الخصم اللدود نوري المالكي، الذي صرّح (أنه الانتخابات يجب ان تعقد في موعدها)،في إشارة إرتياحية ،الى قرار الصدر،في حين لم يصدر أي تصريح من الفتح والحكيم والفصائل والكتل وغيرها، ممن يصرّون على إجراء الانتخابات ،في موعدها لأغراض وأهداف واضحة،حتى بدون التيار الصدري، لكي يتفردوا في التزوير ،ويبعدون أهم خصم لهم ،وهو التيار الصدري،نعتقد وأزاء هذا المشهد السياسي الشديد الظلام، والصراع السياسي المرير بين الخصوم،أن تأجيل الإنتخابات ،التي تريدها أمريكا وبريطانيا، هو أضمن طريق يجنّب العراق، الحرب الأهلية، والإحتراب الطائفي، والحرب الشيعية – الشيعية،التي يؤجج نارها الآخرون هنا وهناك ،ومنهم ادارة بايدن ،واطراف اقليمية ودولية،لإبقاء العراق على ماعليه ،من إحتراب سياسي ومجتمعي،قرار الصدّر صبّ الزيت على النار،وأفرز خنادق الصدر،وأظهر خصومه الذين لايريدون عودته الى العملية السياسية،بل يريدون حتى رأسه ،كما صرّح أكثر من مرة ،وحذّر خصومه وتياره،وقال( إماّ سأموت وإمّا سأستشهد)،وحينما أدرك حقيقة موته أو قتله،إتخذ قرار الإبتعاد عن السياسة ودوختها، تاركاً لأنصاره خيار البقاء والإستمرار في العملية السياسية، بشرط عدم إستخدام (اسم آل صدر) ،في حين قال البعض الآخر،بأن قرار الصدر هو لجسّ نبض الشارع الذي خسره،بسبب فشله في الإصلاح،كما وعدهم،وشعوره بالإحباط في الاصلاح، الذي اعلنه في مشروعه، وافشله خصومه،نحن امام عملية سياسية ميتة سريرياً،تعاني من أزمات ،حيث أزمة تلد أخرى،منها أزمة الكهرباء،وأزمة كورونا،وأزمة الفساد وانهيار الدينار، وأزمة الصراع السياسي وسلاحه المنفلّت،وأزمة عودة ظهور داعش،وأزمة الفصائل مع أمريكا،وأزمات سياسية وإقتصادية وأمنية لاحدود لها ولاحلول لها،كل هذه الازمات المستعصية ،تجعل من استمرار العملية السياسية أمراً مستحيلاً،دون تدخل خارجي ينقذ العراق ،من حتمية إندلاع حرب أهلية شيعية-شيعية،وعودة حرب طائفية،حاضرة في محافظات تشكو التهميش والاقصاء والاختطاف والقتل والتهجير،وعدم السماح بعودة مدن وبلدات اهلها،ووجود مئات الآلآف من النازحين في المحافظات والمخيمات،حقيقة إنسحاب السيد مقتدى الصدر،يعقد المشهد الامني والسياسي ويفتح ابواب الصراعات السياسية والطائفية على مصاريعها،ولهذا نعتقد أن الانسحاب سيكشل خطوة تسريعية لانهيار امني وسياسي وشعبي حتمي قريب،ولهذا يجل تطويق ازمة الصدر، واعادته الى الانتخابات، ولو فقط السماح لتياره ،مع ابقائه بعيداً عن السياسة، وعدم التدخل فيها(حسب رأيه)،ويبقى صمام لمنع قيام فوضى أشد من التي نراها اليوم في السلطة والاحزاب، والتسقيط والتشهير والخطف والقتل والفساد ،نرى عدم عودة الصدر ،هو إعطاء فرصة لخصومه التفرّد بالقرار وبالانتخابات، وبمصير العراق الذاهبين به الى الصراع والاحتراب القومي والطائفي، هكذا نرى المشهد الملتبس، الضبابي، الفوضوي، ليس لأن السيد الصدرسياسي ومؤثر سياسياً،لا ، ولكنه رجل دين له أتلاع بالملايين تنفذ كلمته،يحتاجه العراق في هذه اللحظة، لمنع الذهاب الى مجهول لايعرف مداه إلاّ الله، وسط عاصفة هوجاء،من العصف السياسي الطائفي، والصراع السياسي الحزبي، والصراع الدولي والاقليمي في العراق، العراق ينتظره مصيراً شديد الصعوبة، لايمكن إنقاذه بسهولة وبدون تدخل أممي ودولي وعربي فوري،حاله حال لبنان الذي سبق العراق في الانهيار والانفجار،فهل يفهم من في السلطة وخارجها، من هم بيدهم الحلول وتقديم التنازلات كي لايذهب العراق الى الجحيم كما يذهب لبنان الان الى الجحيم با للاسف، العراق في طريقه الى الجحيم الحتمي،إذا لم ينتشله أهله، وتصحو الاحزاب على حجم الكارثة التي ستحل بهم قبل غيرهم إذا تركوا العراق على حاله، ياجماعة العراق في خطر،وأنتم سبب هذا الخراب،وعلى السيد مقتدى إدراك الوضع الغير قابل للتأجيل،وايقاف التدهور والسقوط في هاوية الفساد والخراب،بالعودة عن قراره ،حفاظاً عن ما لايحمد عقباه،وعدم إعطاء الفرصة لأعداء العراق، العبث بمصيره، ودحرجته الى الهاوية السحيقة،كي يخلو لهم الجو وحدهم ، إن قرار الصدر هو في حقيقته ،جس نبض الشارع العراقي، تكتيك سياسي غير محسوب، في الزمن الخطأ، وهنا تكمن خطورة الانسحاب وكارثيته....
0 تعليقات