مروة حسن الجبوري
عُرفت بعمق البلاغة والوصف الأدبيّ، تملك خزائن المفردات العربيّة التي يتيه الوصف في سيرتها، إنّها الكاتبة زينب ناصر الأسديّ التي نشأت في بيئة أصيلة امتزجت بين الدين الإسلاميّ والثقافة العربيّة حتى أخرجت ثمرة متميّزة. احتفلت جمعيّة المودّة والإزدهار للتنمية النسويّة بإصدار المجموعة القصصيّة لهذه الكاتبة والتي تعتبر من الكاتبات المتميزات في موقع بشرى حياة، بحضور مميّز من كاتبات الموقع وشخصيّات ثقافيّة وتربويّة لمناقشة قراءة نقديّة للكاتب الدكتور عمّار الياسري بصوت الأستاذة ضمياء العوادي منها ما أشار إليه:
(إنّ نصوص القاصّة زينب الأسديّ في مجموعتها تيه الورد تعدّ من تلك السرديّات، إذ لم تخلُ من توظيف العجائبيّ والأسطوريّ والمتخيّل بطريقة معاصرة، أي أنّها تفكّك النصّ المتداول ثمّ تعيد تشكيله ببنية معاصرة وهي تقانة تقترب إلى حدّ ما مع طروحات (ستيفن غرينبلات) رائد التاريخانيّة الجديدة مثلما وظّفت ذلك في نصوص مثل تراتيل معطّلة وذبول المسافات وزغاريد ملثّمة، ولم تكتف القاصّة بذلك بل وظّفت طروحات ما بعد الحداثة التي نظر لها (هيدجر) و(نيتشه) حينما جعلا من المهمل والمهمّش والقابع على حوافّ التحقير بنية ثائرة توجّه ضرباتها نحو المتسيّد لتزيحه من مركزيّته وتتسيّد مكانه، وهذا ما بدا واضحًا في نصوص مثل مذاق باهت وتيه الورد وبوح القرنفل.
ولو تابعنا قصّة تراتيل معطّلة نلحظ أنّ عتبتها تشي بتقويض مفهوميّ قوامه الوجود والعدم، فالتراتيل المرتبطة بالانتظام أصبحت مع التداول مرتبطة بالأصوات سواء كانت الدينيّة أم الوطنيّة وما إلى ذلك، ثم نلحظ أنّ التراتيل ذات الشياع الجمعيّ أصيبت العطب، والسؤال الذي يتبادر ما السبب الذي جعل هذه التراتيل معطّلة؟ ومع تطوّر الأحداث يستطيع القارئ النموذجيّ فكّ شفرة العتبة على الرغم من التداخل ما بين الأسطوريّ والواقعيّ والتشظّي الزمنيّ، ومع المهادات الأولى نلحظ أنّ المدخل الاستهلاليّ للقصّة يصف لنا التلال الملتوية التي تسوّر المكان الذي يقطنه الراهب والجنديّ ثمّ تطالعنا حواريّة تشي بمعرفة سابقة بينهما، بعدها ينتقل السرد إلى الزمن الحاضر من دون تمهيد، إذ يخبرنا السارد أنّ الحكاية السابقة كانت لأبي جابر الذي كان سارد الحكايات الغابرة للعائلة، وهنا نلحظ التحوّل الأوّل ما بين الأسطوريّ رفقة السارد (أبو جابر) نحو الواقعيّ رفقة السارد المشارك الذي بدأ لنا بتشكيل شخصيّة (أبو جابر)، إذ يقول في الصفحة التاسعة والثلاثين: " تُميّز هيأته وقار وطيبة أصيلة وفي لحيته الأنيقة قليل من الشَعر الأبيض الذي اجتاح سوادها الصامت "، فالمتحوّل السرديّ هنا قطع لنا أوصال الحكاية ما بين الحدثين والشخصيّتين، لقد ركّب لنا السارد المشارك الشخصيّة على أنّها صادقة نبيلة وقد تبيّن ذلك حينما قفزت الأحداث الواقعيّة إلى المدخل الأسطوريّ على لسان (أبو جابر).
إنّ تنوّع الأشكال في قصص المجموعة يشي بمقدرة في المعالجات القصصيّة ما يجعل المتلقّي يتماهى مع بنية السرد، فالتكرار السرديّ المتشابه يكسر زمن الإدراك في ذهن المتلقّي وهنا تحدث القطيعة ما بين الناصّ والنصّ والمنصوص له.
تيه الورد من التجارب القصصيّة المهمّة مبنى ومعنى وتبشّر بمخيال سرديّ ستكون له نصوص مختلفة في قابل الأيّام، فالوعي في صيرورة مستمرّة لا يرزح للثابت لو أراد الفرادة والتميّز.)
وقد نشر الأستاذ الدكتور حيدر الأديب في قراءة نقديّة عن المجموعة:
(كانت القاصّة زینب الأسديّ متألّقة وذكيّة جدًّا في التعاطي مع حقول الواقع الخارجيّ والداخليّ (بعين فلسفيّة) تلتقط أدقّ المشاهد القابلة للتفلسف والقابلة للإنفجار والأخرى القابلة للبكاء ومن ثمّ المسفوكة الأسى والحزن والتلاشي.
هذه المشاهد تحتضن في مكنونها تحقيبًا زمانيًّا ومكانيًّا ممسكًا بمحمولات ساكتة ومسكوت عنها فيأتي التعاطي مع اللغة لسحب ذلك إليها لخلق مرجعيّات نصيّة تنزاح فيها المشاهد إلى وعي يؤرّخها بصوت مؤوّل يتشخّص فيه الزمن كلّ مرّة كلّما غزته القراءة، فتبدأ الرحلة بقيمة مضافة جديدة تهبها المشاهد إلى القيمة صفر في وعي المتلقّي.
إنّ قوّة اللغة هنا ومظاهر الانزياح تؤسّس ذاكرة جديدة جدًّا للمتلقّي وكأنّه يلتقي لأوّل مرّة بذاته مصدومًا مرّتين مرّة بلهجة محمولات الواقع وأخرى بلهجة محمولات المفردة، فنرى مرّة أنّ الواقع يتحرّك مؤوّلًا في اللغة وأخرى نرى اللغة مُقادة إلى مناطق يكشفها الواقع لأوّل مرّة.
لم تكن هذه إضاءة ولا قراءة معاذ الجمال الماكث في قلم زينب الأسديّ إنما هي إيماءة شكر لعوالم هذه المجموعة المختلفة والواقعة في جغرافيّات التجديد والهويّات المتفرّدة التي تحاكم الوعي بوعي ذكيّ يجرّ المحمولات الكليّة في أنفاس الواقع والتاريخ ليقاتلها في أزقّة اللغة المكتظّة شعريًّا وفلسفيًّا).
المجموعة القصصيّة المتميّزة أثارت توهّجًا في الوسط الأدبيّ وقد احتفى بولادتها كبارالأدباء على مستوى الوطن العربي مثل الروائيّ الكبير علي حسين عبيد حيث وثّق إهداء الأديبة في صفحته وأضاف:
(ما يُدهش حقا ذلك التناقض _ الجميل_ بين عنوان القصّة ومضمونها...فمثلًا عنوان مذاق باهت أو تراتيل معطّلة أو ذبول المسافات أو زغاريد ملثّمة.... كلّها توحي بالتكميم أو الإحباط.. وماذا سنسمع من زغاريد ملثّمة... أو من تراتيل هي أصلا مكمّمة.. أمّا المذاق الباهت فماذا يمكن أن يوحي لنا؟؟؟
ومع ذلك ما إن تدخل المتن حتّى يأخذك الجمال السرديّ على حين غرّة... فتندهش من سحر الكلمة وصياغة الجملة ونحت الحروف نحتًا....
هذه مجموعتها الأولى فما هي القصص التي سوف تكتبها وتقدّمها للقارئ بعد عشر سنوات مثلًا؟؟؟
وأيّ سحر ودهشة ستمنحها للقارئ...
تهنئة لنا نحن كتّاب السرد بإنجاز متميّز للكاتبة زينب الأسديّ...
وتابعت الأديبة حوارها مع الحضور حيث فتحت لهن باب السؤال .
حيث بدأت الكاتبة هاجر الاسدي بطرح سؤالها لماذا العنوان (تيه الورد ).
- العنوان جاء من قصة موجودة في المجموعة القصصية رائعة جدا.
واضافت الاعلامية منار قاسم هل هناك من نقاد العرب من نقد هذه المجموعة ؟
في طريقها ان شاء الله الى الان لم تخرج من دائرة القراءة النقدية المحلية .
موضحةً خلال الجلسة ماوراء الكواليس للنصوص و أبرز النقاط المهمّة التي أرادت تقيّيدها في معمارها السرديّ، منها حفظ الموروث الثقافيّ والطابع الإنسانيّ الغالب على الفحوى العامّ للمواضيع المُتناولة في سياق القصص وصولًا إلى الأبعاد الماورائيّة التي سعت لها في تجربتها.
0 تعليقات