الدكتورة جعفر صبرينة
- مختصة في الشؤون الأمن وسياسات الدفاع
كانت الرئاسة الجزائرية قد أعلنت في بيان لها مقتل 3 مواطنين جزائريين في “قصف همجي” لشاحناتهم، خلال تنقلهم بين خط مدينة ورقلة بالجنوب الجزائري والعاصمة الموريتانية نواكشوط، وأوضح البيان بأن عدة عناصر تؤكد ضلوع القوات المغربية في “ارتكاب هذا الاغتيال الجبان بواسطة سلاح متطور”، مشددة أن اغتيالهم لن يمضي دون عقاب.
وجاء في بيان الرئاسة الجزائرية أنه “في الفاتح نوفمبر 2021 وفي غمرة احتفال الشعب الجزائري في جو من البهجة والسكينة بالذكرى الـ67 لاندلاع ثورة التحرير الوطني المجيدة تعرض ثلاث رعايا جزائريين لاغتيال جبان في قصف همجي لشاحناتهم أثناء تنقلهم بين نواكشوط وورقلة في إطار حركة مبادلات تجارية عادية بين شعوب المنطقة.
وشددت الرئاسة أن الجريمة النكراء التي أودت بحياة الرعايا الجزائريين لن تمضي دون عقاب، ووصفت الذي حصل بإرهاب دولة، وأردفت “يلتحق الضحايا الأبرياء الثلاث الذين تعرضوا لإرهاب دولة في هذا اليوم الأغر للفاتح من نوفمبر بشهداء التحرير الوطني الذين جعلوا من الجزائر الجديدة منارة للقيم ولمبادئ تاريخها الأبدي.
حادث مقتل سائقي شاحنات جزائرية قرب موقع "بئر لحلو" الواقع في المنطقة العازلة على الجدار الرملي القائم بالصحراء الغربية، هل سيكون نقطة تحول نحو انزلاق الجزائر والمغرب إلى مواجهة أوسع، وكيف يمكن أن تكون ملامحها؟
حادث تفجير شاحنات جزائرية ومقتل سائقيها الثلاثة قرب موقع بئر لحلو الواقع في المنطقة العازلة الشرقية على الجدار الرملي القائم بالصحراء الغربية، يشكل حادثا مأساويا من الناحية الإنسانية، ويثير مخاوف بأن يكون شرارة تُنذر بمواجهة جزائرية مغربية تتجاوز النطاق المحسوب لها لحد الآن، لكن أسئلة تُطرح عما إذا كانت ستؤدي إلى حرب بين البلدين، وكيف يمكن أن تكون طبيعة تلك الحرب إذا وضعت أوزارها بالفعل؟.
أين وقع الحادث تحديدا وما هو مسار الشاحنات الجزائرية وكيف تمت عملية تفجيرها؟ أسئلة يمكن الإجابة عنها بدقة عن طريق الأمم المتحدة التي ذكرت في تقاريرها بأن بعثتها في الصحراء (مينورسو) تجري تحقيقات في موقع الحادث. وهو ما لم يصدر بشأنه لحد الآن تأكيد رسمي من بعثة مينورسو، ولا شك أن العملية الإرهابية تشكل أول اختبار لرئيس البعثة الجديد، الروسي، ألكسندر ايفانكو، وللمبعوث الأممي الجديد، الإيطالي- السويدي، ستيفان دي ميستورا.
المؤشرات الأولية للحادث والمنطقة التي وقع فيها، تشير إلى وقوعه في منطقة بئر لحلو القريبة من الحدود مع موريتانيا، ولا تبعد سوى بضعة كيلومترات عن الجدار الرملي الذي أقامه المغرب في منتصف الثمانينات من القرن الماضي إثر حرب الصحراء (1976- 1977). وتصنف هذه المنطقة بحسب الاتفاق الموقع مع الأمم المتحدة في إطار القرار الأممي الخاص بوقف إطلاق النار (1991)، كمنطقة عازلة ممنوعة على المدنيين والعسكريين.
تأتي العملية الإرهابية بمنطقة بئر لحلو في توقيت حسَاس للغاية، إذ كان لافتا وقوعه بتاريخ فاتح نوفمبر ذكرى احتفال الجزائر بثورتها التحريرية، وبعد أقل من أسبوع على صدور قرار من مجلس الأمن الدولي بتمديد مهمة بعثة مينورسو، القرار الذي نص على أنه يجب استئناف المفاوضات تحت رعاية المبعوث الأممي الجديد ستافان دي ميستورا "بهدف الوصول إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين بهدف تقرير مصير شعب الصحراء الغربية.
وهو قرار أثار غضب الجزائر بعد أن نص على ضرورة "مشاركتها المباشرة" إلى جانب موريتانيا والمغرب وجبهة البوليساريو، في المحادثات المرتقبة برعاية المبعوث الأممي. بينما رحب به المغرب لكونه يرى فيه بأن مقترحه بإقامة حكم ذاتي موسع في الأقليم كفيل بتسويته. وهو الموقف الذي يتعزز، وفق المنظور الاحتلال المغربي.
كما يأتي هذا الحادث يوما واحدا بعد إعلان الجزائر عدم تمديد اتفاق مرور أنبوب الغاز الأوروبي المغاربي عبر المغرب، واستبداله بخط بحري مباشر لإسبانيا. هذه التطورات تأتي بعد شهرين من قرار الجزائر قطع علاقاتها الديبلوماسية مع المغرب، ودخول العلاقات في أسوأ تطور منذ عقود من النزاعات المزمنة.
ورغم أجواء التعبئة وطبول الحرب التي تدق في وسائل الإعلام التقليدية وبشكل أكبر في مواقع التواصل الاجتماعي، فإننا نستبعد نشوب حرب واسعة النطاق بين البلدين، لأن قيادتي البلدين تدركان حجم الكارثة التي يمكن أن تحدث. كما أن الشركاء الدوليين وخصوصا الأوروبيين سيكونون مدفوعين أكثر من أي وقت مضى للخروج عن أدوارهم السلبية والتحرك لوقف التدهور الذي تشكل تداعياته الأمنية والبشرية والاقتصادية بمثابة الكارثة على أوروبا.
لكن النأي عن سيناريو حرب واسعة النطاق، لا يستبعد سيناريو نشوب مواجهة ذات طابع غير كلاسيكي تأخذ أبعادا من الأجيال الجديدة للحروب الهجينة، على غرار الهجمات الإلكترونية، والعمليات الاستخباراتية في مناطق حسّاسة أو ضربات محدودة في مناطق موجعة. وهذا النوع من الحروب الجديدة، تتجاوز فضاءاته جغرافيا الحدود التقليدية، ومن ثم أن منطقة غرب أفريقيا قد تكون أيضا مسرحا لمواجهة جزائرية - مغربية بدأت على مستوى الديبلوماسية وقوافل التجارة وأنابيب الغاز، ويمكن أن تأخذ أشكالا أخرى.
وفي الوقت بدأت الآلة الدبلوماسية تتحرك بسرعة أكثر فقد راسل وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة الأمين العام للأمم المتحدة وعدة منظمات دولية وإقليمية بشأن اغتيال 3 جزائريين في قصف مغربي حيث قالت وكالة الأنباء الجزائرية إن "لعمامرة راسل المنظمات الدولية حول خطورة العمل الإرهابي المغربي"، كما راسل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقي، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، والآمين العام لمنظمة التعاون الاسلامي يوسف العثيمين.
وأكد لعمامرة أن "المغرب استعمل أسلحة قاتلة متطورة لعرقلة حركة المركبات التجارية وقام بفعلته في إقليم لا حق له فيه"، مشددا على أن هذا الفعل يحمل مخاطر وشيكة على الأمن والاستقرار في المنطقة خاصة أنه تزامن من ذكرى نوفمبر وما تشكله من أهمية للجزائر، مباشرة بعد إيقاف ضخ الغاز عبر الأنبوب المار من المغرب في اتجاه أوروبا.
إن المنطقة تسير نحو تصعيد كبير جداً، وسيكون المغرب هو الخاسر بدون شك بعدما انكشف أن المحتل المغربي يريد جر الجزائر للمواجهة العسكرية في الصحراء الغربية قبيل وصول الدبلوماسي الإيطالي الأممي ديميستورا للمنطقة؛ ومن ثم جرها للطاولة المستديرة للمفاوضات المباشرة بعد أن أعلنت انسحابها كمراقب، فإن المغرب أراد من خلال العملية الإرهابية تحقيق أهداف نفسية وسياسية ودبلوماسية؛ تتمثل في القصاص لسائقيه في مالي التي اعتبر جزء من نشطاءه على السوشيال ميديا، أن يدا موالية للجزائر هناك وقفت وراء حادث اغتيالهم؛ وضرب إمداد مفترض للجيش الصحراوي بشكل مباشر؛ ثم استدراج الجزائر لعمل عسكري يقوي حجته في طرفية الجزائر في القضية الصحراوية.
كما أن هذا القصف الجبان لقافلة شاحنات جزائرية يقودها مدنيون أبرياء من طرف جيش الاحتلال المغربي يأتي بعد يوم واحد من إعلان الجزائر بشكل رسمي عن وقف ضخ الغاز إلى إسبانيا عبر المغرب، حيث جاء القرار الجزائري على خلفية تواصل الاستفزازات والاعتداءات المغربية ضد الجزائر ومحاولة نظام المخزن المساس بالوحدة الوطنية.
وكانت الجزائر قد أعلنت في أوت الماضي عن قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، كرد فعل على تتالي الاستفزازات المغربية وتعمده استضافة ودعم المنظمتين الإرهابيتين “رشاد” و الماك.
ويبقى القصف الهمجي للاحتلال المغربي على 3 جزائريين، الحدث، على الرغم من الصمت الدولي، لكن يبقى بيان الرئاسة الجزائرية يأخذ حيزاً واسعاً في البلدين، ليس بسبب اتهامه المغرب ولكن لما جاء فيه من عبارة العقاب.
فقد احتلت الجملة التي تحدثت عن أن العملية "لن تمضي دون عقاب" في بيان رئاسة الجزائر، مساحة واسعة ولا تزال، من النقاشات التي اختلفت في شرحها وتحليل مقاصدها، وقال إن اغتيالهم يعد مظهراً جديداً لعدوان وحشي يمثل ميزة لسياسة معروفة بالتوسع الإقليمي والترهيب. فالجزائر لن تترك الحادثة تمر مرور الكرام وستبقي على قطع العلاقات الدبلوماسية، وستواصل الضغط على الهيئات الدولية في سبيل توقيع عقوبات على النظام المغربي بعد ضلوعه في اغتيال هؤلاء الأبرياء، يكون نظام المخزن المغربي قد بلغ آخر مراحل الاستفزاز المباشر وغير المباشر للجزائر والدخول بتهوره المعهود، في مرحلة الاستدراج إلى مستنقع التوتر المفتوح على كل الاحتمالات والذي سيدفع فاتورته الغالية لوحده فحكمة الدولة الجزائرية كانت دائما شعرة معاوية التي أبقت على العلاقات الدبلوماسية مع الجارة الغربية، بالرغم من تاريخ الخيانة الأسود للنظام المخزن الذي تخصص في الطعن في الظهر، منذ أن نال الشعب الجزائري حريته وألف مواجهة والثورة على الخونة والمعتدين، غير أن تمادي نظام المخزن وصل في السنوات الأخيرة إلى حد ارتكابه جرائم بشعة وجبانة، لن تمضي دون محاسبة أو عقاب
وبالموازاة مع كل هذه الاستفزازات، أكدت الجزائر رفضها لمنطق الأمر الواقع والسياسات أحادية الجانب بعواقبها الكارثية على الشعوب المغاربية، واتخذت على هذا الأساس، عدة قرارات، على غرار وقف العلاقات التجارية لشركة "سوناطراك" مع الديوان المغربي للكهرباء والماء الشروب، وإنهاء عقد أنبوب الغاز الأورو - مغاربي الذي كان يزود اسبانيا عبر المغرب، وكذا غلق المجال الجوي على كل الطائرات المغربية.
وكانت مجلة الجيش قد أكدت في افتتاحية عددها الصادر بتاريخ 3 أكتوبر الماضي، أن الأعمال العدائية الخطيرة والحملة الدعائية المغرضة التي يشنها المخزن وتتواصل باتخاذها شكل "حرب معلنة"، تأتي على خلفية "تمسك الجزائر المبدئي والراسخ بضرورة إيجاد حل عادل للقضية الصحراوية"، وقد واجهتها الجزائر ولا تزال "بصبر وبأقصى درجات ضبط النفس.
ووجهت مجلة الجيش رسالة لكل من يهمه الأمر, بالتأكيد على أن الجزائر "ما كان لها لتكون محل هجمات عدائية مركزة لو لم تملك مكامن القوة"، وأن الجزائر قوة ضاربة بمبادئها الراسخة ومواقفها الثابتة وقراراتها السيادية وشعبها الأبي وجيشها العتيد، أرقت مضاجع المخزن وأدخلت الرعب واليأس في نفوس الخونة.
ويبقى سقوط ثلاثة رعايا جزائريين في عملا إرهابي جبان قد ينذر على بداية لحرب إعلامية وغير تقليدية ستدفع المغرب ثمنا غاليا لمحاولة جر الجزائر للحرب ستكون تداعياتها جسمية على المغرب وأمن المنطقة ككل.
0 تعليقات