عبد الجبار الجبوري
هل سيكون مؤتمر فيينا ،الوجه الآخر لسايكس بيكو،في تغيير جيوسياسية المنطقة،وماذا سيكون شكل المنطقة،ومن هي القوة التي ستتحكم فيها وتفرض هيمنتها عليها،كل هذه الاسئلة وغيرها،يفرضها ويؤكدها الواقع ،الذي نراه ضبابياً جداً،فما يجري من تفاوض معقّد بين إيران وأمريكا والإتحاد الاوروبي،حول برنامج إيران النووي،ووصول التفاوض الى إنسداد كامل،بسبب تضليّل وتسويّف إيران،وإصرارها على فرض شروطها التعجيزية،ورفع كامل للعقوبات الدولية ،ورفض مناقشة حلّ الميليشيات التابعة لها ،في العراق ولبنان واليمن وسوريا،والتخلص من أسلحة الصواريخ الباليستية والطائرات المسّيرة،يجعل المؤتمر في حكم الفاشل،والميّت سريرياً،وفي هذا الوقت،تشهد المنطقة حروباً قاسية،وفوضى عارمة ،وتنمّر الارهاب الداعشي،يجعل المنطقة كلّها على كفِّ عفريت ،في إنتظار عاصفة ،تقلعها من جذورها وتدخلها في فوضى حروب خلاقة لاحدود لها ،إلاّ بتقسيمها وتفتيتها وتفكيك أواصرها القومية والاثنية والمذهبية،نعم مايجري من حرب في اليمن، والعراق ولبنان وسوريا، تقوده وتؤججه وتدعمه وتسلحّه إيران،وهذا يرتبط كلّه في تنازلات مؤتمر فيينا،فإذا ما إستغنّت وفرطّت ايران بأذرعها وتوابعها ،من أحزاب وفصائل وميليشيات وحشود،فإن هيمنتها ونفوذها ومصيرها يتعرّض الى خطر حقيقي، وتتحوّل المعركة الى الداخل الإيراني، ولهذا فهي لاتفرّط بأذرعها وأحزابها وفصائلها المسلحة، وتعتبرهم (جيشها وحرس ثورتها) في المنطقة، وجودها بوجودهم وزوالها بزوالهم،وفي المقابل،هذا الأمر ترفضه رفضاً قاطعاً، أمريكا وإسرائيل والدول الخليجية وأوروبا،وترى أن مواجهة المشروع الايراني الكوني حتمّية ،إذما فشلت وإنتهت جولات مؤتمر فيينا،وهذا ماأعلنته ادارة بايدن بصريح العبارة،وهدّدتّ به إيران،قبل الجولة الحالية، بل قامت إسرائيل بإعلان الحرب على إيران ،في هجمات متتالية على معسكرات ميليشياتها في سوريا والعراق،وإستخدام الحرب السيبرانية اليومية ،على منشآتها الحساّسة، ومعامل تصنيع طائراتها المسيرة ،وصواريخها الباليستية ،والطاقة الكهربائية والمترو وغيرها، وتُحضّروتتدرّب اليوم وبشكل علني وبملء الفم، لعملية عسكرية واسعة ،لتدمير مفاعلاتها النووية ،وفي مقدمتها مفاعل–نطنز- الذي تعرّض الى صواريخ قبل يومين، من مصدر مجهول، وعتمّت عليه طهران،وفي اليمن هناك إنكسار عسكري واضح ،وفشل حوثي في تحقيق إنتصار عسكري ودخول مدينة مأرب،وإرتدّت عليها العملية العسكرية،الى هزائم في عدة محاور، وتوجهّت قوات الشرعية الى تحرير صنعاء، من يدّ الحوثي، بدعم دولي وأمريكي وعربي لامحدود،وانهاء الوضع اليمني الشاذ هناك،أما في سوريا، فالأوضاع تنحو نحوتبادل الادوار، بين روسيا وأمريكا وتفاهمات مع تركيا، وتطبيّع الأوضاع ، وتحجيّم دور ايران وميليشياتها هناكـ،وفي العراق الوضع متأزم جداً، بعد الإنتخابات التي باركها مجلس الامن ،والامم المتحدة والاتحاد الاوروبي والدول العربية ،وإعترف بنزاهتها وتنظيمها،حتى إيران، يشهد العراق الآن حالة من التوّترالامني والسياسي ،بسبب تهديدات الطرف الخاسر، وإصراره على إلغاء الانتخابات وإعادتها، والتشكيك في نزاهتها، والتزوير الفضيع فيها، كما تدعي أحزاب السلطة التابعة لإيران، وتصرُّ على إفشال تشكيل حكومة أغلبية سياسية وطنية ،عابرة للمحاصصة الطائفية،ورغم زيارة قاآني ثاني يوم انتهاء الانتخابات وتبليغهم بنزاهتها ،ويجب القبول بها،ولكنّ الطرف الخسران ،رفض أوامر إيران ومرشدها، وحصلت القطيعة بينهما ، وظهرت تصريحات على الاعلام من فصائل مسلحة تابعة لايران تنتقد زيارة قاآني بشدة،وهكذا تزداد أوضاع المنطقة توتراً وتصعيداً مخيفاً، لايمكن تكهن نهايته المأساوية، ونتائجها ومصير دولها،وهل المنطقة تحتمل مآسٍ ،أكثر مما عاشته وعانت منه، وتجرّعت السمّ ،بسبب أمريكا وإسرائيل وإيران، لايهمهم كل ماجرى في العراق، لآنهم هم من كان وراءه،واليوم يحصدون ما زرعوا، بعد دمار وخراب العراق، وتدمير سوريا واليمن ولبنان،نتيجة الصراع وبسببه،هذا ظهرتنظيم القاعدة ومن ثم تنظيم داعش الإجرامي، الذي بطش بأهل المنطقة كلها قتلاً وذبحاً وتهجيراً وخرابا،وأكملت ميليشيات ايران وأذرعها الخارجة عن القانون وسلطة الدولة،ما بدأه داعش ،وحول السلاح المنفلّت ، والخارج عن القانون، العراق، الى دولة ميليشيات، ودولة فاشلة وفاسدة،بمعنى الكلمة ،وأزاء هذا المشهد التراكمي السياسي الفاشل، وتنمّر داعش وظهوره مرة أخرى في العراق، مستغلاً، الصراع السياسي وإنسداده أزاء تشكيّل حكومة أغلبية يصرّ عليها الفائز الاول في الإنتخابات،ويريدها الشعب العراقي، لأنها تخلّصه من المحاصصة الطائفية، والسلاح المنفلّت، وتضبط إيقاع الأحزاب الفاسدة وتحيل حيتانها الى القضاء،فإن العراق لن يهدأ له بال، ولن تستقر اوضاعه السياسية والاجتماعية، ويعود أهله المهجرّون والنازحون الى ديارهم ،إلاّ بإزاحة الطغمة الفاسدة والسلاح المنفلت، الخارج عن الاعراف والقانون،وهذا لن يتحقق إلاّ بتضحيات العراقيين ووحدتهم وتوحدهم أزاء هذه الاخطار،ولكن كيف لهم وهم عزّل، بلا دعم عربي ودولي،لهذا نعتقد ان التحولات الكبرى التي ستحدث(شئنا أم أبينا)، بعد نهاية مؤتمر فيينا وفشله، ستختلط فيها الاوراق،وتحدث الفوضى الخلاقة التي رسمتها أمريكا وإسرائيل ،لمنطقة الشرق الاوسط، وتقليم أظافر إيران وأذرعها، وقصقصة أجنحتها المسلحة في عموم المنطقة ، وتدمير حلمها النووي،والدليل، ليس ماتعلنه إسرائيل وتجعّجع به في الاعلام ،من تهديدات وتحضيرات خاصة بتدمير مفاعلات ايران النووية، ولكن ما تفعله إدارة بايدن، من إنسحاب عسكري من العراق، وغلق بعض القواعد العسكرية في المنطقة، وإعادة تموضعها هنا وهناك،إستعداداً لعمل عسكري واسع، على أن تشترك به جميع الدول العربية والاوربية وإسرائيل،تماماً كما حصل في غزو العراق،ولكنها لاتريد تكرار سيناريو العراق التقليدي، تذهب الى الحرب مع ايران،بدون تفويّض وتحالف أممي،وتفاهمها مع روسيا في سوريا، وتخلي روسيا عن إيران، جعل من التتخادم الامريكي- الروسي قائما في منطقة الشرق الاوسط ،مع حياد كامل للصين،وهكذا ظهرت – أزمة اوكرانيا- لإدارة بايدن، لتكون عامل التوازن في العلاقة معها،المنطقة كلها تغلي، وتحتضّر،بسبب الصراع الدولي والاقليمي،حول النفوذ والهيمنة، التي تعدّ فرصة ذهبية للدول الكبرى،إذن مفاوضات مؤتمر فيينا هو الفرصة الاخيرة للاطراف،قبل أن ينفجّر الصراع وتنفتح ابواب جهنم على مصراعيه، ولن يستطيع أحد إيقاف عجلة الحرب إذا أنطلقت، ولايمكن أحد تكهن نهايتها، إيران تضلّل وتسوّف وليست بعجلة من أمرها،ولكن إسرائيل وأمريكا نفَد صبرهما الإستراتيجي، وهنا مكمن الخطر،الذي تخشاه طهران ولاتحسب وتدرك نتائجه، نعم المنطقة قبل مؤتمر فيينا، ليست المنطقة بعد المؤتمر....
0 تعليقات