في دراسة نشرها مركز تريندز للبحوث والدراسات، تحت عنوان ” مرحلة جديدة من محاربة داعش” للخبير في الشؤون الاستراتيجية الدكتور مهند العزاوي، أشارت إلى ملامح مرحلة جديدة في الحرب على التنظيم الإرهابي، وقدمت الدراسة عرضاً للأسباب والأحداث السياسية والأمنية والاجتماعية التي شكلت بمجملها دورة حياة التنظيم، من النشأة وأسبابها، مروراً بالقوة التي صار عليها وتمثلت في احتلاله لمناطق شاسعة من الأراضي العراقية، وصولاً إلى تحرير تلك المناطق من قبل القوات العراقية مسنودة بدعم قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
استهلت الدراسة عرضها بتأكيد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في تأريخ 28 أغسطس 2021 خلال اتصال هاتفي مع الرئيس العراقي برهم صالح، دعم بلاده للعراق في حربها على داعش، مشيراً إلى ان مهمة القضاء على التنظيم الإرهابي لم تنجز بعد، وأنها تتجه نحو ما أسماه (بمرحلة جديدة) في الحرب على الإرهاب.
حددت الدراسة أسباب وتداعيات عودة نشاط تنظيم داعش، في العراق، والتي وجد الباحث ان لها صلة وارتباط وثيق بين عودة نشاط التنظيم الدولي في أفغانستان (داعش – خراسان) على الساحة الأفغانية من جديد في ظل توترات امنية وعسكرية في كابل عقب الانسحاب الأمريكي من البلاد، وبين إعادة تفعيل أنشطته في العراق. وفي الإشارة إلى خلاصة تلك الأسباب والتداعيات، والتي حددتها الدراسة على الشكل التالي في ثلاثة محاور رئيسية:
أولاً: السياسات الخاطئة وظهور التنظيمات الإرهابية في العراق
في المحور الأول هذا، يجد الباحث ان سياسة الولايات المتحدة في حل مؤسسات الدولة العراقية بعد 2003 ساهم على إيجاد حالة فوضى في البلاد، أدت إلى خلق بيئة مناسبة لاستقطاب الجماعات المتطرفة ونشر أفكارها، والذي ساهم بشكل كبير على انتشارها بين المجتمع هو بناء عملية سياسية اعتمدت الأكثرية الطائفية بدلاً من الأكثرية الوطنية. الأمر الذي ساهم في إيجاد حاضنة للتطرف والإرهاب عبر استخدام خطابات تعبوية للجمهور في المناطق ذات الغالبية السُنية، كذلك أيضاً، وجود تنظيمات مسلحة شيعية في المشهد السياسي ساهم على تكريس خطاباً طائفياً تسلحت به التنظيمات والجماعات الإرهابية وأبرزها القاعدة (وهم نواة تشكيل داعش في مرحلة لاحقه) لفرض وجودهم على الساحة الجيوعسكرية في العراق.
ثانياً: ظهور “داعش” واستراتيجيته في العراق
يبحث هذا المحور مسار الاحداث التي قادت لتشكل تنظيم داعش. فمنذ عام 2011 – 2013 شهدت مدن ومناطق عراقية احتجاجات شعبية واسعة بهدف تعديل المسار السياسي والحكومي، والذهاب باتجاه تعزيز الهوية الوطنية للدولة، بدلاً من أسلمتها، وذلك بالتزامن مع تصاعد التأثيرات الإيرانية على الساحة العراقية، وإرسال فصائل مسلحة عراقية للقتال في سوريا، واستخدام المسرح الجيو-عسكري العراقي لإحكام الاتصال الحربي مع سوريا ولبنان.
وفي خضم هذه الظروف المضطربة، وخاصة بعد التحولات التي شهدها تنظيم القاعدة بعد مقتل الزرقاوي، حتى إعلان قيام “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) بزعامة أبو بكر البغدادي، لوحظ حدوث تحول في استراتيجية العمليات العسكرية التي اتبعها التنظيم في اتجاه العمل بهدف السيطرة على أراضٍ حيوية ومهمة من البلدين، والسعي إلى استقطاب الكثير من الأجانب، ضمن حملة تجنيد كبرى، عبر وسائل التواصل والمواقع الإلكترونية. وفي ظل هذه الاستراتيجية تمكن تنظيم داعش من السيطرة التامة على مدينة الموصل، وهي ثاني أكبر المدن العراقية من حيث السكان.
وفي ظل تطور الأحداث، سارعت حكومة بغداد في طلبها المساعدة من الولايات المتحدة في الحرب على التنظيم الإرهابي، وعلى اثر ذلك تشكل التحالف الدولي، وفي أكتوبر 2016، انطلقت عمليات تحرير المدن من داعش، وفي ديسمبر 2017 أعلن العراق تحرير كامل أراضيه.
ويشير البحث إلى جانب مهم وصف تفاصيله بـ “المبهمة”، يتعلق بالأعداد الكبيرة لعناصر التنظيم المثبتة لدى الحكومة، وبين قلة جثث القتلى قياساً مع تلك الأرقام. الأمر الذي رجح الباحث ان يكون نتيجة سياسة (الطوق المفتوح) أي هروب عناصر التنظيم إلى الأراضي السورية.
ثالثاً: عودة “داعش” واستراتيجية العراق في مواجهته
يقول الباحث: ” رغم إعلان الحكومة العراقية عام 2017 سيطرتها على الأراضي التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش، فإن التنظيم سرعان ما عاد مرة أخرى، ولكن وفق استراتيجية مختلفة”. وذلك بعودة التنظيم الى استخدام استراتيجية (حرب العصابات) التي سبق أن اعتمدها “تنظيم القاعدة” باستغلال النقاط الواهنة، واختراق الحدود المشتركة بين القوات العراقية، وحرس حدود إقليم كردستان، وكذلك المناطق ذات المسؤولية المشتركة بين الحشد الشعبي والجيش والشرطة. مرجحاً ان يكون التنظيم قد تمكن عام 2017 – عام إعلان هزيمته – من الاحتفاظ بموارده البشرية والمالية، واستطاع إخفاءها ليستخدمها من جديد.
وترى الدراسة في مؤشر ارتفاع العمليات التي تقوم بها القوات العراقية في استهداف التنظيم في محافظتي ديالي وصلاح الدين، دلالة على عودة نشاط التنظيم، مع الإشارة إلى ملاحظة انحسار نطاق نشاط التنظيم في جغرافية حبيسة أو شبه حبيسة، نتيجة للعمليات العسكرية الاستباقية للقوات العراقية، خاصة وان تلك القوات قد اكتسبت خبرة في محاربة الإرهاب خلال السنوات الماضية.
وختم الخبير في الشؤون الاستراتيجية مهند العزاوي دراسته مرجحاً عودة نشاط داعش إلى العراق، ولكنه أستبعد تكرار سيناريو عام 2014، بسيطرة التنظيم على الموصل ومناطق عراقية أخرى، وذلك يعود لعدة أسباب، بحسب الباحث، أبرزها وجود بعثة الناتو في العراق، والتي يصل عدد أفرادها إلى 4000 فرد، بالإضافة إلى ان العراق بات يملك خبرة واسعة في قتال التنظيمات الإرهابية، ووفرة في الموارد البشرية والقطعات العسكرية بما فيها القوات ذات التسليح الخفيف التي تتمتع بمرونة الحركة، فضلاً عن انحسار نشاط التنظيم في مناطق حبيسة يمكن للقوات العراقية محاصرتها والقضاء عليها.
0 تعليقات