توارى الخط العربي الجميل أمام هجمة الكومبيوتر .
حلّت أزرار الكيبورد محل الريشة التي توجهها الأصابع الموهوبة فترسم الإحساس، وحل الحرف المطبوع الجامد محل الحرف المكتوب أو المخطوط النابض الذي يتمايل برشاقة وأناقة وجمال متوزعاً بين الثلث والنسخ والديواني والكوفي والتعليق والإجازة والرقعة ، فكان من نتائج ذلك اختفاء ( المانشيتات) البارزة الرائعة التي كانت تتصدر الصفحات الأولى للصحف مذيلة بتواقيع مشاهير الخطاطين وحلت محلها العناوين المطبوعة الجامدة .
قبل أيام كنت أتابع حديث الصديق الرائع الدكتور حارث عبود في لقاء تلفزيوني عن آثار ونتائج التحول نحو الحاسوب فهالني ما أشار إليه من ظاهرة رداءة الخط التي أخذت تتزايد جراء ترك الكتابة اليدوية .
شخصياً أشعر أن للحرف المكتوب روحاً وأنه يحمل نبضات كاتبه، وأن ثمة علاقة عضوية ونفسية وثيقة بين الكاتب والكتابة ، ولعل في قدرة الخبراء على تمييز الخط وتحديد هوية صاحبه ما يعزز هذا الشعور ، ولهذا كنا في القضاء نركن إلى خبراء الأدلة الجنائية لمضاهاة خطوط المتهمين أو المدعى عليهم وكذلك تواقيعهم . هكذا ظلت العلاقة وظل الإرتباط بين ما تخطّه الأنامل وما في نفس الكاتب .
تنامت في الماضي القدرة على تحديد الحالة النفسية لصاحب الخط من خلال ما تتركه رعشات الأنامل من التواءات .
كان لكل منا قلم مفضل من نوع محدد يجد فيه تجاوباً عميقاً منشوداً مع وضع أصابعه وهي تمسك به وتوجّه ريشته لينساب على اليراع .
كان اختيار نوع الخط لغلاف كتاب أو مجلة أو مانشيت صحيفة أو لوحة تحمل اسم متجر أو تصميم إعلان يخضع للتأمل ويرتبط بذوق صاحب الشأن ويؤثر في انطباع القارئ.
رست تقاليد تربط بين نوع الخط المختار والغاية من الإختيار ، فالخط الديواني الذي استمد اسمه من ( الديوان ) هو المفضّل في خط الشهادات الأكاديمية والشهادات التقديرية وشهادات منح الأوسمة والأنواط ، وخط الثلث يستخدم عادة في خط الآيات القرآنية وفي زخرفة واجهات المساجد وسواها من الأماكن المقدسة ، كما ظل هذا الخط يعتمد لاختبار مهارة الخطاطين بسبب صعوبة إجادته، فيما هيمن خط النسخ على شكل حروف الطباعة عند طبع الكتب والصحف وفي تعليم الكتابة للمبتدئين .
من خلال المتابعة والتذوق يتمكن هاوي الخط من تمييز خطوط خطاط معين عن خطوط سواه حتى دون النظر إلى توقيعه ، فلا يكون عسيراً عليه تمييز خطوط كبار الخطاطين كخالدي الذكر عاشق الحرف هاشم محمد البغدادي في العراق وسيد ابراهيم في مصر رحمهما الله وخطاطين أعلام سواهما .
ما أحدثته ثورة اكتشاف الطباعة ألهمت عشاق الحرف محاولة تطويعه لتقليل عدد الوحدات الطباعية، وجاءت محاولة المبدع المرحوم محمد سعيد الصكار التي اشتهرت باسم " أبجدية الصكار " وحصل بها على براءة اختراع عالمية من أهم المحاولات والتجارب سعياً إلى توظيف شكل الحرف في تحقيق هذه الغاية والهبوط بكلف الطبع .
كنا نعرف هويات كثير من الناس بمجرد النظر إلى كتابتهم وإن لم يذيلوها بأسمائهم .
في مراحل الدراسة المختلفة كان البعض منا يوظّف جمال خطّه ووضوحه للتأثير إيجاباً في نفس المصحّح ونيل تقدير أعلى .
في قرون سابقة يوم كان صبر الإنسان أشد انتشر فن نسخ الكتب القيّمة في شتى فروع المعرفة ، فكان الناسخون يعملون زمناً طويلاً لينسخوا الكتب ، ونجد آثارهم اليوم في المخطوطات المحفوظة .
حاول صنّاع الحاسوب محاكاة الأنامل بتصميم نظم ألكترونية متعددة بتعدد أنواع الخطوط لكنها جاءت مشوّهة وفشلت في تعويض الحاجة إلى أنامل الإنسان الخطاط .
روعة أشكال الحروف العربية أظهرت تطويراً في العصر الحديث أراه الوحيد الجدير بالإهتمام هو ما أطلق عليه "الخط الحر" وهو ينطوي على مزاوجة بين الخط والرسم ، رغم أنه لم يسلم من التحفظ والنقد لخروجه على القواعد التقليدية للخط وما رافقه من تشويه نجم عن لجوء بعض الخطاطين متواضعي الموهبة إليه لإخفاء ضعف خطوطهم .
الحرف العربي يستغيث بنا مطالباً بالحفاظ عليه وحمايته من هجمة الآلة ، فالسرعة غاية مطلوبة لكن الجمال يظل غاية مهمة أيضاً ، ولا سيما حين يرتبط بإرث حضاري تاريخي للأمة .
حلّت أزرار الكيبورد محل الريشة التي توجهها الأصابع الموهوبة فترسم الإحساس، وحل الحرف المطبوع الجامد محل الحرف المكتوب أو المخطوط النابض الذي يتمايل برشاقة وأناقة وجمال متوزعاً بين الثلث والنسخ والديواني والكوفي والتعليق والإجازة والرقعة ، فكان من نتائج ذلك اختفاء ( المانشيتات) البارزة الرائعة التي كانت تتصدر الصفحات الأولى للصحف مذيلة بتواقيع مشاهير الخطاطين وحلت محلها العناوين المطبوعة الجامدة .
قبل أيام كنت أتابع حديث الصديق الرائع الدكتور حارث عبود في لقاء تلفزيوني عن آثار ونتائج التحول نحو الحاسوب فهالني ما أشار إليه من ظاهرة رداءة الخط التي أخذت تتزايد جراء ترك الكتابة اليدوية .
شخصياً أشعر أن للحرف المكتوب روحاً وأنه يحمل نبضات كاتبه، وأن ثمة علاقة عضوية ونفسية وثيقة بين الكاتب والكتابة ، ولعل في قدرة الخبراء على تمييز الخط وتحديد هوية صاحبه ما يعزز هذا الشعور ، ولهذا كنا في القضاء نركن إلى خبراء الأدلة الجنائية لمضاهاة خطوط المتهمين أو المدعى عليهم وكذلك تواقيعهم . هكذا ظلت العلاقة وظل الإرتباط بين ما تخطّه الأنامل وما في نفس الكاتب .
تنامت في الماضي القدرة على تحديد الحالة النفسية لصاحب الخط من خلال ما تتركه رعشات الأنامل من التواءات .
كان لكل منا قلم مفضل من نوع محدد يجد فيه تجاوباً عميقاً منشوداً مع وضع أصابعه وهي تمسك به وتوجّه ريشته لينساب على اليراع .
كان اختيار نوع الخط لغلاف كتاب أو مجلة أو مانشيت صحيفة أو لوحة تحمل اسم متجر أو تصميم إعلان يخضع للتأمل ويرتبط بذوق صاحب الشأن ويؤثر في انطباع القارئ.
رست تقاليد تربط بين نوع الخط المختار والغاية من الإختيار ، فالخط الديواني الذي استمد اسمه من ( الديوان ) هو المفضّل في خط الشهادات الأكاديمية والشهادات التقديرية وشهادات منح الأوسمة والأنواط ، وخط الثلث يستخدم عادة في خط الآيات القرآنية وفي زخرفة واجهات المساجد وسواها من الأماكن المقدسة ، كما ظل هذا الخط يعتمد لاختبار مهارة الخطاطين بسبب صعوبة إجادته، فيما هيمن خط النسخ على شكل حروف الطباعة عند طبع الكتب والصحف وفي تعليم الكتابة للمبتدئين .
من خلال المتابعة والتذوق يتمكن هاوي الخط من تمييز خطوط خطاط معين عن خطوط سواه حتى دون النظر إلى توقيعه ، فلا يكون عسيراً عليه تمييز خطوط كبار الخطاطين كخالدي الذكر عاشق الحرف هاشم محمد البغدادي في العراق وسيد ابراهيم في مصر رحمهما الله وخطاطين أعلام سواهما .
ما أحدثته ثورة اكتشاف الطباعة ألهمت عشاق الحرف محاولة تطويعه لتقليل عدد الوحدات الطباعية، وجاءت محاولة المبدع المرحوم محمد سعيد الصكار التي اشتهرت باسم " أبجدية الصكار " وحصل بها على براءة اختراع عالمية من أهم المحاولات والتجارب سعياً إلى توظيف شكل الحرف في تحقيق هذه الغاية والهبوط بكلف الطبع .
كنا نعرف هويات كثير من الناس بمجرد النظر إلى كتابتهم وإن لم يذيلوها بأسمائهم .
في مراحل الدراسة المختلفة كان البعض منا يوظّف جمال خطّه ووضوحه للتأثير إيجاباً في نفس المصحّح ونيل تقدير أعلى .
في قرون سابقة يوم كان صبر الإنسان أشد انتشر فن نسخ الكتب القيّمة في شتى فروع المعرفة ، فكان الناسخون يعملون زمناً طويلاً لينسخوا الكتب ، ونجد آثارهم اليوم في المخطوطات المحفوظة .
حاول صنّاع الحاسوب محاكاة الأنامل بتصميم نظم ألكترونية متعددة بتعدد أنواع الخطوط لكنها جاءت مشوّهة وفشلت في تعويض الحاجة إلى أنامل الإنسان الخطاط .
روعة أشكال الحروف العربية أظهرت تطويراً في العصر الحديث أراه الوحيد الجدير بالإهتمام هو ما أطلق عليه "الخط الحر" وهو ينطوي على مزاوجة بين الخط والرسم ، رغم أنه لم يسلم من التحفظ والنقد لخروجه على القواعد التقليدية للخط وما رافقه من تشويه نجم عن لجوء بعض الخطاطين متواضعي الموهبة إليه لإخفاء ضعف خطوطهم .
الحرف العربي يستغيث بنا مطالباً بالحفاظ عليه وحمايته من هجمة الآلة ، فالسرعة غاية مطلوبة لكن الجمال يظل غاية مهمة أيضاً ، ولا سيما حين يرتبط بإرث حضاري تاريخي للأمة .
0 تعليقات