كان طفلا عندما داعبه الخديوي إسماعيل بنثر جنيهات ذهبية أمام عينيه ! عندها لاحظ تعلق نظره بالسماء، فأتجهَ بصره للذهب، فإبتسم الخديوي ونصح جدته بتكرار اصطحابه للقصر، ليتعلق قلب الفتى بالقصر وزعيمه ويقول فيه بعد سنوات:
أأخون إسماعيل في أبنائه
وقد ولدت بباب إسماعيلا
أمير الشعراء أحمد شوفي الفارس الأول في ميدان القوافي والبيان الذي أعادَ الشعر العربي إلى رونقه وجدد حيويته.
ولدَ أحمد شوقي في16/أكتوبر / 1870 وقد هيأت له الظروف أن يتربى في قصر الخديوي ، فقد كانت جدته لامه تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل ، فعرف حياة الترف والراحة ، وظهرت اولى علامات نبوغه عندَ التحاقه بمدرسة المبتديان الابتدائية ، كان الأول على زملائه مما جعله يحصل على إعفاء من المصاريف المدرسية ، بعدها التحق بمدرسة الحقوق واختار شوقي ان يلتحق في قسم الترجمة الذي أنشئ بها حديثاً وهناك لمحته عيون استاذه محمد البسيوني مدرس البلاغة الذي لاحظ ان هذا الطالب الخجول يكتب الشعر على استحياء ويخجل من قراءة قصائده وبحكم ان البسيوني شاعر وبخبراته في قراءة الاشعار فقد رآى في شوقي مشروع شاعر كبير فشجعه واكسبه ثقه كبيرة في نفسه ، وذهب به الى الخديوي واثنى على موهبته مما جعل الخديوي توفيق يوليه عناية خاصة ومنحة كبيرة فور تخرجه ، فقد سافرَ على نفقة الخديوي الى فرنسا لاستكمال دراسته وهناك اطلع على الأدب الفرنسي والشعر بصفة خاصة.
(داخل القصر )
فتِحت ابواب القصر لشوقي مرة أخرى عندما توفي الخديوي توفيق بعد عودته من فرنسا وجلس على العرش ابنه عباس حلمي الثاني الذي رحب بشوقي وقام بتعيينه بقلم الترجمة وتوثقت علاقة شوقي به وخصوصاً ان الخديوي كان بحاجة قوية الى من يقف بجانبه في صراعه ضد الإنكليز فظلت اشعاره تدور في هذا الفلك اضافة الى تنظيمه لقصائد اسلامية في تلك الفترة في مدح الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ومن اشهر قصائده ( نهج البردة) .
( رحلة الاندلس)
جاءت الحرب العالمية الاولى بكوارثها ومؤثراتها على حياة شوقي ، فقد قام الإنكليز بخلع الخديوي عباس حلمي الثاني وتنصيب عمه السلطان حسين كامل بدلاً منه ، هاجم شوقي الاحتلال البريطاني فطلبوا منه مغادرة مصر ليختار شوقي الرحيل مع اسرته إلى اسبانيا حيث اقام في منزل بمدينة برشلونة يطل على البحر ورغم انه تعلم الاسبانية وشغل وقته بالاطلاع على مظاهر الحضارة الإسلامية في الاندلس وروائع الادب لكن قلبه ظل متعلقاً بالحنين والاشتياق والامل في العودة إلى مصر .
وطـني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي
وهـفا بالفؤاد في سلسبيل ظمأ للسواد مـن (عين شمس)
شهد الله لم يغب عن جـفوني شخصه ساعة ولم يخل حسي
يا فؤادي لكل أمر قرار فيه يبدو وينجلي بعد لبس.
( أمير الشعراء )
عادَ إلى مصر وهي في أوج صراعها مع المحتل ، ودماء شهداء ثورة 1919 لم تجف ، وفي هذه المرحلة نرى في شعره كل مايحمله من عاطفة قوية وإحساس صادق أملاً نحو الحرية والاستقلال الذي ينادي بهما الشعب ، وقد وجه شوقي شعره نحو الناس والمشاركة في اي مناسبة وطنية ليصبح شاعر الشعب ومعبراً عن آماله وطموحاته ..
يقولون عن مصر بلاد عجائب
نعم ظهرت في أرض مصر العجائب
تقدّم فيها القائلون لشبهة ونيلت بسجن الأبرياء المناصب
وأخر فيها كل أهل لرفعة وقدم فهمي وحده والأقارب فيالورد هذا الحكم والله مطلق ومن مطلق الأحكام تأتي المصائب
ولم يبق إلا أنت فينا وقيصر مغلوب وإن قيل غالب.
كتب شوقي ما يزيد على 23 ألفا وخمسمائة بيت، وفي سنة 1927 بايعه شعراء العرب كافة “أميراً للشعراء” في حفل كبير أقيم بدار الاوبرا في القاهرة حضره ممثلون عن كل الدول العربية ، وقد أعلن حافظ إبراهيم ذلك بقوله :
بلابل وادي النيل بالشرق اسجعي
بشعر أمير الدولتين ورجعي
أعيدي على الاسماع ما غردت به
براعة شوقي في ابتداء ومقطع
امير القوافي قد اتيت مبايعاً وهذي
وفود الشرق قد بايعت معي.
وفى نهاية حياته كتبَ أحمد شوقى مسرحيات عظيمة للمسرح الشعري ، مثل “مصرع كليوباترا” و”قمبيز” و”مجنون ليلى” و”على بك الكبير”.
وتوفي أحمد شوقي بعد وفاة صديقه شاعر النيل ( إبراهيم حافظ) بشهرين ، وكان قد فُجع بنبأ وفاة صديقه ورفيق دربه ورثاه بقصيدة :
قَد كُنتُ أوثِرُ أَن تَقولَ رِثائي
يا مُنصِفَ المَوتى مِنَ الأَحياءِ
لَكِن سَبَقتَ وَكُلُّ طولِ سَلامَةٍ
قَدَرٌ وَكُلُّ مَنِيَّةٍ بِقَضاءِ.
وقال لسكرتيره ( إني أنعي نفسي ، وأشعر أن شمس حياتي آذنت بالمغيب) وبالفعل لم يمر سوى شهرين على وفاة شاعر النيل حتى لحق به شوقي .
وقبل وفاته بأيام عاد إلى داره ( كرمة ابن هانئ) بالجيزة فلما دخلها وقف بالحديقة قال لسكرتيره ( تُرى كم قبراً تسع هذه الدار ) ؟؟
فلما رأى دهشة السكرتير أردف يقول : لاتخف فليس الموت بالمصيبة العظمى ، وقد يكون منجاة من حسد حاسد او حقد حاقد ، والقبر أبقى من هذه الدار ، وهو لايشغل غير عشرة أمتار ، أما هي فقد شغلت خمسة آلاف متر ، فلو بنيت في مكانها قبور لاتسعت لخمسامئة … فما أعظم طمعنا في دار الفناء وقناعتنا في دار البقاء ! ..
أأخون إسماعيل في أبنائه
وقد ولدت بباب إسماعيلا
أمير الشعراء أحمد شوفي الفارس الأول في ميدان القوافي والبيان الذي أعادَ الشعر العربي إلى رونقه وجدد حيويته.
ولدَ أحمد شوقي في16/أكتوبر / 1870 وقد هيأت له الظروف أن يتربى في قصر الخديوي ، فقد كانت جدته لامه تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل ، فعرف حياة الترف والراحة ، وظهرت اولى علامات نبوغه عندَ التحاقه بمدرسة المبتديان الابتدائية ، كان الأول على زملائه مما جعله يحصل على إعفاء من المصاريف المدرسية ، بعدها التحق بمدرسة الحقوق واختار شوقي ان يلتحق في قسم الترجمة الذي أنشئ بها حديثاً وهناك لمحته عيون استاذه محمد البسيوني مدرس البلاغة الذي لاحظ ان هذا الطالب الخجول يكتب الشعر على استحياء ويخجل من قراءة قصائده وبحكم ان البسيوني شاعر وبخبراته في قراءة الاشعار فقد رآى في شوقي مشروع شاعر كبير فشجعه واكسبه ثقه كبيرة في نفسه ، وذهب به الى الخديوي واثنى على موهبته مما جعل الخديوي توفيق يوليه عناية خاصة ومنحة كبيرة فور تخرجه ، فقد سافرَ على نفقة الخديوي الى فرنسا لاستكمال دراسته وهناك اطلع على الأدب الفرنسي والشعر بصفة خاصة.
(داخل القصر )
فتِحت ابواب القصر لشوقي مرة أخرى عندما توفي الخديوي توفيق بعد عودته من فرنسا وجلس على العرش ابنه عباس حلمي الثاني الذي رحب بشوقي وقام بتعيينه بقلم الترجمة وتوثقت علاقة شوقي به وخصوصاً ان الخديوي كان بحاجة قوية الى من يقف بجانبه في صراعه ضد الإنكليز فظلت اشعاره تدور في هذا الفلك اضافة الى تنظيمه لقصائد اسلامية في تلك الفترة في مدح الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ومن اشهر قصائده ( نهج البردة) .
( رحلة الاندلس)
جاءت الحرب العالمية الاولى بكوارثها ومؤثراتها على حياة شوقي ، فقد قام الإنكليز بخلع الخديوي عباس حلمي الثاني وتنصيب عمه السلطان حسين كامل بدلاً منه ، هاجم شوقي الاحتلال البريطاني فطلبوا منه مغادرة مصر ليختار شوقي الرحيل مع اسرته إلى اسبانيا حيث اقام في منزل بمدينة برشلونة يطل على البحر ورغم انه تعلم الاسبانية وشغل وقته بالاطلاع على مظاهر الحضارة الإسلامية في الاندلس وروائع الادب لكن قلبه ظل متعلقاً بالحنين والاشتياق والامل في العودة إلى مصر .
وطـني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي
وهـفا بالفؤاد في سلسبيل ظمأ للسواد مـن (عين شمس)
شهد الله لم يغب عن جـفوني شخصه ساعة ولم يخل حسي
يا فؤادي لكل أمر قرار فيه يبدو وينجلي بعد لبس.
( أمير الشعراء )
عادَ إلى مصر وهي في أوج صراعها مع المحتل ، ودماء شهداء ثورة 1919 لم تجف ، وفي هذه المرحلة نرى في شعره كل مايحمله من عاطفة قوية وإحساس صادق أملاً نحو الحرية والاستقلال الذي ينادي بهما الشعب ، وقد وجه شوقي شعره نحو الناس والمشاركة في اي مناسبة وطنية ليصبح شاعر الشعب ومعبراً عن آماله وطموحاته ..
يقولون عن مصر بلاد عجائب
نعم ظهرت في أرض مصر العجائب
تقدّم فيها القائلون لشبهة ونيلت بسجن الأبرياء المناصب
وأخر فيها كل أهل لرفعة وقدم فهمي وحده والأقارب فيالورد هذا الحكم والله مطلق ومن مطلق الأحكام تأتي المصائب
ولم يبق إلا أنت فينا وقيصر مغلوب وإن قيل غالب.
كتب شوقي ما يزيد على 23 ألفا وخمسمائة بيت، وفي سنة 1927 بايعه شعراء العرب كافة “أميراً للشعراء” في حفل كبير أقيم بدار الاوبرا في القاهرة حضره ممثلون عن كل الدول العربية ، وقد أعلن حافظ إبراهيم ذلك بقوله :
بلابل وادي النيل بالشرق اسجعي
بشعر أمير الدولتين ورجعي
أعيدي على الاسماع ما غردت به
براعة شوقي في ابتداء ومقطع
امير القوافي قد اتيت مبايعاً وهذي
وفود الشرق قد بايعت معي.
وفى نهاية حياته كتبَ أحمد شوقى مسرحيات عظيمة للمسرح الشعري ، مثل “مصرع كليوباترا” و”قمبيز” و”مجنون ليلى” و”على بك الكبير”.
وتوفي أحمد شوقي بعد وفاة صديقه شاعر النيل ( إبراهيم حافظ) بشهرين ، وكان قد فُجع بنبأ وفاة صديقه ورفيق دربه ورثاه بقصيدة :
قَد كُنتُ أوثِرُ أَن تَقولَ رِثائي
يا مُنصِفَ المَوتى مِنَ الأَحياءِ
لَكِن سَبَقتَ وَكُلُّ طولِ سَلامَةٍ
قَدَرٌ وَكُلُّ مَنِيَّةٍ بِقَضاءِ.
وقال لسكرتيره ( إني أنعي نفسي ، وأشعر أن شمس حياتي آذنت بالمغيب) وبالفعل لم يمر سوى شهرين على وفاة شاعر النيل حتى لحق به شوقي .
وقبل وفاته بأيام عاد إلى داره ( كرمة ابن هانئ) بالجيزة فلما دخلها وقف بالحديقة قال لسكرتيره ( تُرى كم قبراً تسع هذه الدار ) ؟؟
فلما رأى دهشة السكرتير أردف يقول : لاتخف فليس الموت بالمصيبة العظمى ، وقد يكون منجاة من حسد حاسد او حقد حاقد ، والقبر أبقى من هذه الدار ، وهو لايشغل غير عشرة أمتار ، أما هي فقد شغلت خمسة آلاف متر ، فلو بنيت في مكانها قبور لاتسعت لخمسامئة … فما أعظم طمعنا في دار الفناء وقناعتنا في دار البقاء ! ..
0 تعليقات