المميزُ في نقودِ الناقد العراقي د. رحمن غركَان، أنّها عميقةٌ وفي بحثٍ تجديديٍ مستمر. قرأت له مجموعة من سلسلته النقدية “سلسلة نقد الشعر الآن" وكان الناقدُ في كلِّ كتابٍ يأتي بفكرة نقدية لا تشبه التي سبقتها في الكتاب السابق، هذه المواكبة المستمرة، هي فكرةُ تأصيلِ نقدٍ عربيٍ أصيلٍ، إذ صرح الناقد في مقدمة إحدى كتب هذه المجموعة، أنّ هذه السلسلة النقدية، تضم رأيه النقدي والعينات المُختارة للتطبيق النقدي فقط دون الاستعانة بمصادر أخرى أو آراء غيره، وما يزال الرجل، يرفد المكتبة الأدبية النقدية بأعمق الأبحاث النقدية الحداثوية.
الخلق الذي نعنيه في عنوان هذه القراءة، هو الابتكار أو الاختراع الجديد الذي استخرجه الناقد د. رحمن غركَان عند قراءته المجموعة الشعرية للشاعر العراقي فارس حرّام التي كانت بعنوان (أن تقلب الفكرة). فمفردةُ الخلق هي الإبداع الجديد الذي أبدعه الناقد في قراءته النقدية لهذه المجموعة المنتقاة، فالخلق يعني المصطلحات النقدية الجديدة أو طريقة القراءة النقدية الجديدة للشعر التي اجترحها أو خلقها من شيءٍ إبداعيٍ، فالإبداعُ هو الذي ضَمنَ كُل هذه المصطلحات. قد لا يكون الناقد منفردًا في نقودهِ هذه التي هي عينة نوعيةٌ، إلا أنّه تميّز فيها من عدة جوانبٍ، الجانب الأول: هو القراءة الحقيقية الواعية للعيّنة, وهذه القراءةُ أنتجت ثمرتها في كم العمق النقدي الذي استخرج منها, أما الجانب الثاني, يتضح بأهميةِ الشكل في الشعر الحديث, والشكل يدخل فيه كلِّ المتعلقات كلون الغلاف وبياض الصفحة وطريقة كتابة البيت الشعري, وهندسة كتابة البيت الشعري حتى لتبدو أنّها جاذبةٌ للمتلقي. هذه الاهتمامات هي مدار القراءة النقدية.
يمارسُ الناقدُ دورًا إبداعيًّا في قراءته لتجربة الشاعر فارس حرّام، وهذا الدور الخلقي _الإبداعي، لمْ يبتعدْ عن العينة المقروءة ولم يُنظرْ بعيدًا عن عينته موضع الشاهد، فكانت القراءة الناقدة تشتغلُ وتمارس عملية النقد في صميم العيّنة الشعرية. يبدأ الخلق النقدي التجديدي من أوّل العتبات وهو العنوان، فقد كان عنوان العينة الشعرية (أن تقلب الفكرة) فجاءت القراءة النقدية تمثل إعادة صوغ ونسج جديد وإبداع يتقارب مع فكرة ودلالة عنوان المجموعة الشعرية (الفكر شعرًا).
الكتابُ الصادرُ عن دار نيبور للطباعة والنشر والتوزيع في العراق بطبعته الأولى لسنة ٢٠٢٢.
المتأملُ في العتبة الأخرى من عتبات البحث النقدي يجدُ أن الناقدَ قد حوّل خطابهُ النقدي إلى خطابٍ شعريٍ شفيف، فأنت تستشعرُ عبر إحساسك الوجداني، كمية البلاغة المعنوية في كلماته، إذ يقول في إهدائه: (... لقد كنتم فكرة أرضية، لم تجدْ مستقرّها إلا في السماء)
هذه البلاغة العالية، هي ما ميّزَه في بحثهِ النقدي هذا.
الميزةُ الأخرى للناقد، أنه قد قرأ فأجاد القراءة، وتأمل فأجاد التأمل، لذا، جاء بحثه النقدي عميقًا.
كعادته في سلسلته الشعرية هذه التي عنونها (سلسلة نقد الشعر الآن) فهو يقدم مقدمة مهمة، توضح الطريقة التي سيسلكها في قراءته النقدية، يوضح عبرها رؤاه ومنهجه في البحث. في مجموعة الشاعر فارس حرّام، اشتغالٌ فكريٌ أكثر منه جماليٌ فنّيٌ! والمتأمل في المجموعة سيجدُ أنها خطاب فكريٌ لا شعري في طابعها العام! فيقول الناقد في كلمته الأولى: (وفي هذا النهج يصبح الشاعر رائيًا مفكرًا، يرى ليقترح، ويتخيل ليعقل، ويرسم ليكون خريطة وصول، وليس مجرد انفعال حزين بغياب ما، أو انفعال مبتهج بحضور ما...) (الصفحة ١٠)
الشاعر كان يخاطب العقل ليثيره أن يعقل ولا يخاطب القلب فيضطرب! فالشعرُ في هذا يكون شعرَ وسيلةٍ لا غاية، لأنه يعتمدُ على نفسه لإيصال أو بثِّ خطابٍ عقلانيٍّ.
يقسم الناقد العينة موضع القراءة إلى ثلاث أشكال فهي (شكل العمود ذي الشطرين و شكل عمود التفعيلة و شكل عمود النثر)، ولكن رأيه في شكل النثر ليس شعرًا، إذ يقول: (وإنما أقول بهذه الأشكال الثلاثة ناظرًا لمن يعد (شكل عمود النثر) , شعرًا, فأنا لا أراه كذلك, إنما هو جنس فني نثري حديث, استقرّ في الدلالة عليه مصطلح قصيدة نثر. (الصفحة 14). فهو لا يعد قصيدة النثر شعرًا بالمعنى الحقيقي للشعر، وهذه الصراحة المباشرة تحسب للناقد على شجاعته وحكمه النقدي، وما يميزُ الناقد رحمن غركان، أنه يقرأ بالقراءة الايجابية للنص، يأخذ النص من عدةِ وجوهٍ ويتأمل في كل هذه الوجه لينتج من قراءته الكثير من الفوائد. إشارتهُ نقدية ودقيقة، فهو ينظرُ للمجموعة من الداخل والخارج ويحللها تحليلًا كاملًا، بدءً من العنوان إلى لون الغلاف مرورًا بحجم ولون الخط وهكذا. يرى الناقدُ في مجموعة ( أن تقلب الفكرة), أنها اهتمت بقصيدة النثر أكثر من باقي الأشكال, وهذا الاهتمام جاءَ مع فحوى الثيمة العامة للمجموعة كلها, إذ هي تشتغلُ على الفكر وتخاطب الفكر , وبالأخص الفكر النخبوي, الشاعر ناظر للهموم النخبة وقضاياهم إلا أن خطابهُ ولغتهُ هي لغةٌ نخبويةٌ , غلبَ الفكر على الشعر في مجموعة فارس حرّام هذه, إذ هاجس الشاعر كان الخطاب الفكري وإن جاء بشكلٍ شعريٍ, فالشعرُ فنٌّ جماليٌ, يؤثر في القلبِ فيستفزهُ أما الفكر فيؤثر في العقل فيثيرهُ من حالة الكسل أو الجمود التي تهيمن عليه في أحيانٍ كثيرة. فقد نجحَ الشاعر في التوافق بين العنوان والمتن الداخلي، فالأكثريةُ من الشعر كان لقصيدة النثر، وهي القصيدة التأملية مادتها الفلسفة وخطابها العقل، فهي قصيدة نخبويةٌ أو لا جماهيرية، فهي تحتاج إلى متأملٍ عميق وعقلٍ يقظٍ نشيط، إذ يصرح الناقد بأن معجم الشاعر، فكريٌ تأمليٌ (الصفحة 37)، وهذا يعني أن صياغة الخطاب الفكري التأملي كان بشكلٍ شعري أو استخدم شكل الشعر لبثِ خطابه الفكري.
إن طريقة الناقد في هذه القراءة جامعة مانعة، وهذا الجموع والمنع كان عبر القراءة الواعية النافذة لعمق الشعر، إذ جاءت القراءة النقدية نتيجة فهمٍ عميقٍ وقراءةٍ فاحصةٍ للنصوص بصورةٍ ممتازةٍ، من العنوان الأول للقراءة تلمح أن العنوان يقترب من عنوان العينة موضع الدرس، وهذه عمليةُ خلقٍ إبداعيٍ.
فالخلقُ النقدي لم يكن بمعزل عن العيّنة التطبيقية، فهو قد أنتج من الإبداع إبداع آخر جديد كل الجدة، وكلاهما جاذبان ممتعان، بدءَ الخلق من العتبة الأولى واستمر حتى قراءة العينة النقدية كاملةً وابتكار المصطلحات النقدية من تلك المادة الموضوعة بين يدي الناقد. يصف الناقد عينته الشعرية: إنتاجية النص الشعري عنده (يقصد الشاعر) تفاعلية فكرية، أكثر منها تعاطفًا وجدانيًا ... (الصفحة 165)، في هذه الكلمة أعرب تمام الإعراب عن قصيدته ومنهجه النقدي في قراءته لمجموعة فارس حرام، فلما كانت غايت الشاعر الفكرة وليس الوجدان، لذا جاءت قراءة الناقد متناسبة مع غاية الشاعر وبهذا تحقق الجمال الإبداعي والقراءة الناقدة الواعية.
الاكتشافاتُ الكثيرة التي خرج النقاد بها، هي اكتشافاتُ من داخل بنية النص الإبداعي، فهو لا يستخرج الجواهر من داخل النص ويحللها ويبين مواطن الجمال الفني فيها. واللافت الذي يُسجل للناقد في إبداعه النقدي، هو القراءة الإيجابية التي تُضيف للنص الإبداعي وللمتلقي الآخر.
الخلق الذي نعنيه في عنوان هذه القراءة، هو الابتكار أو الاختراع الجديد الذي استخرجه الناقد د. رحمن غركَان عند قراءته المجموعة الشعرية للشاعر العراقي فارس حرّام التي كانت بعنوان (أن تقلب الفكرة). فمفردةُ الخلق هي الإبداع الجديد الذي أبدعه الناقد في قراءته النقدية لهذه المجموعة المنتقاة، فالخلق يعني المصطلحات النقدية الجديدة أو طريقة القراءة النقدية الجديدة للشعر التي اجترحها أو خلقها من شيءٍ إبداعيٍ، فالإبداعُ هو الذي ضَمنَ كُل هذه المصطلحات. قد لا يكون الناقد منفردًا في نقودهِ هذه التي هي عينة نوعيةٌ، إلا أنّه تميّز فيها من عدة جوانبٍ، الجانب الأول: هو القراءة الحقيقية الواعية للعيّنة, وهذه القراءةُ أنتجت ثمرتها في كم العمق النقدي الذي استخرج منها, أما الجانب الثاني, يتضح بأهميةِ الشكل في الشعر الحديث, والشكل يدخل فيه كلِّ المتعلقات كلون الغلاف وبياض الصفحة وطريقة كتابة البيت الشعري, وهندسة كتابة البيت الشعري حتى لتبدو أنّها جاذبةٌ للمتلقي. هذه الاهتمامات هي مدار القراءة النقدية.
يمارسُ الناقدُ دورًا إبداعيًّا في قراءته لتجربة الشاعر فارس حرّام، وهذا الدور الخلقي _الإبداعي، لمْ يبتعدْ عن العينة المقروءة ولم يُنظرْ بعيدًا عن عينته موضع الشاهد، فكانت القراءة الناقدة تشتغلُ وتمارس عملية النقد في صميم العيّنة الشعرية. يبدأ الخلق النقدي التجديدي من أوّل العتبات وهو العنوان، فقد كان عنوان العينة الشعرية (أن تقلب الفكرة) فجاءت القراءة النقدية تمثل إعادة صوغ ونسج جديد وإبداع يتقارب مع فكرة ودلالة عنوان المجموعة الشعرية (الفكر شعرًا).
الكتابُ الصادرُ عن دار نيبور للطباعة والنشر والتوزيع في العراق بطبعته الأولى لسنة ٢٠٢٢.
المتأملُ في العتبة الأخرى من عتبات البحث النقدي يجدُ أن الناقدَ قد حوّل خطابهُ النقدي إلى خطابٍ شعريٍ شفيف، فأنت تستشعرُ عبر إحساسك الوجداني، كمية البلاغة المعنوية في كلماته، إذ يقول في إهدائه: (... لقد كنتم فكرة أرضية، لم تجدْ مستقرّها إلا في السماء)
هذه البلاغة العالية، هي ما ميّزَه في بحثهِ النقدي هذا.
الميزةُ الأخرى للناقد، أنه قد قرأ فأجاد القراءة، وتأمل فأجاد التأمل، لذا، جاء بحثه النقدي عميقًا.
كعادته في سلسلته الشعرية هذه التي عنونها (سلسلة نقد الشعر الآن) فهو يقدم مقدمة مهمة، توضح الطريقة التي سيسلكها في قراءته النقدية، يوضح عبرها رؤاه ومنهجه في البحث. في مجموعة الشاعر فارس حرّام، اشتغالٌ فكريٌ أكثر منه جماليٌ فنّيٌ! والمتأمل في المجموعة سيجدُ أنها خطاب فكريٌ لا شعري في طابعها العام! فيقول الناقد في كلمته الأولى: (وفي هذا النهج يصبح الشاعر رائيًا مفكرًا، يرى ليقترح، ويتخيل ليعقل، ويرسم ليكون خريطة وصول، وليس مجرد انفعال حزين بغياب ما، أو انفعال مبتهج بحضور ما...) (الصفحة ١٠)
الشاعر كان يخاطب العقل ليثيره أن يعقل ولا يخاطب القلب فيضطرب! فالشعرُ في هذا يكون شعرَ وسيلةٍ لا غاية، لأنه يعتمدُ على نفسه لإيصال أو بثِّ خطابٍ عقلانيٍّ.
يقسم الناقد العينة موضع القراءة إلى ثلاث أشكال فهي (شكل العمود ذي الشطرين و شكل عمود التفعيلة و شكل عمود النثر)، ولكن رأيه في شكل النثر ليس شعرًا، إذ يقول: (وإنما أقول بهذه الأشكال الثلاثة ناظرًا لمن يعد (شكل عمود النثر) , شعرًا, فأنا لا أراه كذلك, إنما هو جنس فني نثري حديث, استقرّ في الدلالة عليه مصطلح قصيدة نثر. (الصفحة 14). فهو لا يعد قصيدة النثر شعرًا بالمعنى الحقيقي للشعر، وهذه الصراحة المباشرة تحسب للناقد على شجاعته وحكمه النقدي، وما يميزُ الناقد رحمن غركان، أنه يقرأ بالقراءة الايجابية للنص، يأخذ النص من عدةِ وجوهٍ ويتأمل في كل هذه الوجه لينتج من قراءته الكثير من الفوائد. إشارتهُ نقدية ودقيقة، فهو ينظرُ للمجموعة من الداخل والخارج ويحللها تحليلًا كاملًا، بدءً من العنوان إلى لون الغلاف مرورًا بحجم ولون الخط وهكذا. يرى الناقدُ في مجموعة ( أن تقلب الفكرة), أنها اهتمت بقصيدة النثر أكثر من باقي الأشكال, وهذا الاهتمام جاءَ مع فحوى الثيمة العامة للمجموعة كلها, إذ هي تشتغلُ على الفكر وتخاطب الفكر , وبالأخص الفكر النخبوي, الشاعر ناظر للهموم النخبة وقضاياهم إلا أن خطابهُ ولغتهُ هي لغةٌ نخبويةٌ , غلبَ الفكر على الشعر في مجموعة فارس حرّام هذه, إذ هاجس الشاعر كان الخطاب الفكري وإن جاء بشكلٍ شعريٍ, فالشعرُ فنٌّ جماليٌ, يؤثر في القلبِ فيستفزهُ أما الفكر فيؤثر في العقل فيثيرهُ من حالة الكسل أو الجمود التي تهيمن عليه في أحيانٍ كثيرة. فقد نجحَ الشاعر في التوافق بين العنوان والمتن الداخلي، فالأكثريةُ من الشعر كان لقصيدة النثر، وهي القصيدة التأملية مادتها الفلسفة وخطابها العقل، فهي قصيدة نخبويةٌ أو لا جماهيرية، فهي تحتاج إلى متأملٍ عميق وعقلٍ يقظٍ نشيط، إذ يصرح الناقد بأن معجم الشاعر، فكريٌ تأمليٌ (الصفحة 37)، وهذا يعني أن صياغة الخطاب الفكري التأملي كان بشكلٍ شعري أو استخدم شكل الشعر لبثِ خطابه الفكري.
إن طريقة الناقد في هذه القراءة جامعة مانعة، وهذا الجموع والمنع كان عبر القراءة الواعية النافذة لعمق الشعر، إذ جاءت القراءة النقدية نتيجة فهمٍ عميقٍ وقراءةٍ فاحصةٍ للنصوص بصورةٍ ممتازةٍ، من العنوان الأول للقراءة تلمح أن العنوان يقترب من عنوان العينة موضع الدرس، وهذه عمليةُ خلقٍ إبداعيٍ.
فالخلقُ النقدي لم يكن بمعزل عن العيّنة التطبيقية، فهو قد أنتج من الإبداع إبداع آخر جديد كل الجدة، وكلاهما جاذبان ممتعان، بدءَ الخلق من العتبة الأولى واستمر حتى قراءة العينة النقدية كاملةً وابتكار المصطلحات النقدية من تلك المادة الموضوعة بين يدي الناقد. يصف الناقد عينته الشعرية: إنتاجية النص الشعري عنده (يقصد الشاعر) تفاعلية فكرية، أكثر منها تعاطفًا وجدانيًا ... (الصفحة 165)، في هذه الكلمة أعرب تمام الإعراب عن قصيدته ومنهجه النقدي في قراءته لمجموعة فارس حرام، فلما كانت غايت الشاعر الفكرة وليس الوجدان، لذا جاءت قراءة الناقد متناسبة مع غاية الشاعر وبهذا تحقق الجمال الإبداعي والقراءة الناقدة الواعية.
الاكتشافاتُ الكثيرة التي خرج النقاد بها، هي اكتشافاتُ من داخل بنية النص الإبداعي، فهو لا يستخرج الجواهر من داخل النص ويحللها ويبين مواطن الجمال الفني فيها. واللافت الذي يُسجل للناقد في إبداعه النقدي، هو القراءة الإيجابية التي تُضيف للنص الإبداعي وللمتلقي الآخر.
0 تعليقات