التمس منكم المعذرة سادتي فلم يعد بوسعنا اليوم والكثير من الكتاب أصحاب الكلمة الهادفة والقلم الحر ملاحقة وتشخيص كل ما يجري من أحداث دولية ومحلية وعرضها كما هي والتنويه عن بؤر الفساد ومواقع الخطر وإطلاعكم و الرأي العام عليها.
فهنالك دوما عرقلة ومصدات وعقبات وتهديد و وعيد وتمويه تحول دون الوصول الى ما يعد وراء الكواليس من صفقات و قرارات يتم طبخها لتقويض الإقتصاد الوطني وتعريض ألامن القومي للمخاطر عبر إبرام التحالفات المشبوهة لا من أجل رفاهية وإستقرار البلدان بل من أجل رفاهية الأحزاب والمليشيات و حاشية السلطان يُرتهن لمصالحهم الأوطان .
ومع ااتطور التقني في أدوات الإعلام لكنه حصل تراجع شديد في حرية رصد الخبر بمهنية و تناول الأحداث بصدق ومصداقية، نتيجة لشراء الذمم أو التهديد الذي وصل الى حد المداهمة البوليسية والملاحقات القضائية لمن يكتشف أو يشير الى فضيحة مالية وفساد إداري أو يتجاوز الخطوط الحمراء.
وللأسف الشديد فلقد كثر في هذا الجو المكبل للحريات و الملوث فكريا طبقة من القوَّالين والمطبلين والمنافقين والمسبحين بحمد ما يسمى زورا بحامي الديمقراطية وراعي الدستور!
ولم يعد هنالك حصانة ولا سقفا كما يقال للحرية ، فلقد إنهار ذلك السقف فوق رؤوس الأشهاد والرعية.
ولولا إنتشار وسائل التواصل الاجتماعي اليوم لما تمكن الكثير من نقد أي حالة سلبية في المجتمع، والذي نتوقع له أن لا يدوم طويلا حتى يتم بعدها تقييد ما تبقى من الحرية بسلاسل حديدية تصوغها القوانين الوضعية وتصادق عليها الدول الحليفة ويباركها بعض رجال الدين لتأخذ الصبغة الشرعية في تجريم وملاحقة ناشر اي تغريدة وأي نقد موجه لأداء الحكومات والتعرض لفساد طواقمها وقراراتها التعسفية والتي تزيد من معاناة الشعوب المغلوبة على امرها.
وهي من جهة آخر تدعم بسخاء الفضائيات والصحف اليومية التي تطبل لها وتظهرها وكأنك تعيش في ظل جمهورية افلاطون الديمقراطية لتُمجِّد وتُسبِّح بحمد الحزب و الحاكم والقائد الأوحد وتتهم من يعترض على نهجهم المِعْوَج بنكران النعمة وبالعمالة والرجعية.
مما أفرز حالة من الغليان والسخط الجماهيري لدى الشعوب المنهكة كما هو الحال في جمهورية إيران اللاإسلامية التي تحترق وسط صمت أممي متعمد وكذلك تلك الدول مسلوبة السيادة والهوية.
ويتابع الجميع عبر ادواتهم القمعية زحف الشعوب والنفير العام صوب وسائل التواصل الاجتماعي ليتنفسوا من خلالها ما تبقى من هواء الحرية.
و الذي لم يعد بمقدور أجهزتهم الرقابية ولا الأمنية في الوقت الراهن من إحكام السيطرة عليها ، مما أدخل الانظمة الديكتاتورية في حالة هيستيرية في سرعة وكيفية الوصول الى المعارضين و إخماد أي تجمع سواء أكان فضائيا أم واقعيا وقمع أي صوت أو أي إنتفاضة بالرصاص الحي والمحاكمات والاعدامات الصورية .
هذا هو ملخص ما يجري في ساحات الحرية .
ويتصدر المشهد الدموي كالعادة كما قلنا النظام الإيراني وذيوله وتعاطيه مع الانتفاضة الشعبية التي تجتاح البلاد.
وكذلك نظام الحكم في العراق الذي بشرت به أمريكا بأنه سيكون واحة الحرية والديمقراطية . فإذا بهم ينحرون في ساحة التحرير كل من ينادي بالحرية!
فقبل عدة ايام تم طرح (قانون حرية التعبير) تحت قبة البرلمان العراقي للتصويت وهو قانون مبطن وملغوم غايته تكميم الافواه وملاحقة كل قلم وصوت حر وتجريم أي مظاهرة سلمية!!
وما يثير الإستغراب حقا ان احدى فقرات الدستور العراقي الفقرة 38 منه قد كفلت حرية التعبير للمواطن العراقي!
فلماذا إذا يتم طرح هكذا قانون وفي هذا التوقيت؟
فبالتأكيد أن الغاية منه هو إجهاض كل صوت معارض في مهده والقضاء على أي شكل من أشكال الحرية.
ورغم اعتراض بعض النواب مما إضطرهم لسحبه وتأجيل التصويت عليه وترحيله للدورات التشريعية القادمة، وكان يفترض بهم رفضه رفضا قاطعا وقبره لا تأجيله.
لذا بات على جميع الصحفيين والإعلاميين والناشطين ومنظمات المجتمع المدني والشارع بكل أطيافه الوقوف بالضد من هذا القانون المجحف وعدم السماح للبرلمان بتشريعه لاحقا ،لأنه يتضمن فقرات و عقوبات جزائية كثيرة، منها تقييد حق التظاهر والتجمع السلمي ، حيث ان إنتفاضة تشرين والدماء الزكية التي سالت عند نصب الحرية قد أقضَّت مضاجعهم.
ولضمان عدم تكرار ذلك فإن احدى فقراته تتضمن أخذ الإذن بالتظاهر قبل فترة معينة!
وهيهات هيهات أن يسمحوا لأحدٍ منكم بعد اقراره القيام بأي تظاهرة سلمية.
كما أن مسودة القانون تحتوي على مصطلحات وعبارات مطاطية من الممكن أن تجرم كل من يريد التعبير عن رأيه وبأي وسيلة !
هكذا يريدون أن يستخدموا التشريع وتسخير برلمان الشعب وتفسير فقرات الدستور لصالحهم ومصالحهم..
فهل بقي بعد اليوم متسعٌ للكلمة وفضاءٌ للحرية ؟
0 تعليقات