الكاتب والباحث السياسي
الدكتور أنمار نزار الدروبي
إذا كانت عملية صنع القرار السياسي في الدولة الإسلامية الأولى عملية منظمة ومتكاملة ومرنة وتتأثر بالعوامل المختلفة التي كانت تؤثر على سلوك صانع القرار السياسي، فهي حكومة الله تسير طبقا للوحي واتباعا له.
بلاشك أن عملية صنع القرار السياسي أصبحت مثار تساؤلات وجدل من بعد وفاة الرسول العظيم محمد صلى الله عليه وسلم إلى العصر الراهن، لاسيما فإن صناعة القرار السياسي موضوع شائك ومؤثر على البنية الاجتماعية لأنه لا يخاطب النخبة المثقفة وحسب وفق منطلقاته النظرية بل يتجاوزها إلى جميع الشرائح الاجتماعية، ومدى قدرته على التكيف مع البيئة الاجتماعية التي يستمد القوة منها باعتبارها ساحة تحركه، إضافة إلى مخاطر القرار السياسي على الصعيد الدولي. بيد إن حالة الجهل والانغلاق في المجتمعات الإسلامية التي بقيت تتشبث بالموروث الثقافي الديني وتخضع لسلطة تشريعاته عرفيا لعدم وجود قوانين تنظم العلاقة وتحدد الحقوق والواجبات أو طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم في حقبة ما قبل الاستعمار واستمرار هذه الحالة بعد قيام الدولة الوطنية التي لم تنجح في تغيير الواقع وتطوير المجتمع لأسباب كثيرة أبرزها ما يتناغم مع المشاعر التقليدية الموروثة والسائدة في عموم العالم العربي والإسلامي.
من هنا يبرز ملمح أساسي في موضوع عملية صنع القرار السياسي وهو (العقل البشري وعلاقة الدين بالدولة) سيما منذ فجر الخلائق لا زالت التغيرات تطرأ على عالم وجود الكائنات، التفاعل يسري بين جميع الأشياء وبشكل معقّد جدا ومنتظم لا يتجاوز المقادير الدقيقة للمكونات المعبئة في حاوية الوجود العظيم. إن العقل الإنساني هو البؤرة العظمى التي تستقطب أنوار وأسرار جميع معالم الوجود والكائنات بما في ذلك ما هو خارج عن الإدراك الحسي والتصوّر. عند هذه النقطة الجوهريّة في ذات العقل تكمن العلاقة بين الخالق العظيم ومخلوقه المنتخب الإنسان. هذا هو العقل البشري وليس كما تعرفه لنا الماركسية على أنه أعقد صورة أنتجتها المادة من خلا التطور التاريخي، وهو تعريف ساذج. ذلك لأن الدين عند ماركس يبدو منتجا اجتماعيا وهو جزء من البناء الفوقي في مجتمع الملكية الخاصة يرتبط بقاءه واستمرار وجوده ببقاء مجتمع الملكية الخاصة وينحل بنحلاله.
المسألة التي نحن بصددها هي الإرادة، إمكانية العقل في الفعل والتأثير على القرار السياسي أبعد من حدود قواه الماديّة، صناعة المعجزة التحكم في مقدرات العالم وتسخيره؟
وأين هو السّر، ما هو الحقيقي الذي يعجز المنطق عن تفسيره أو تعليله، الى أي غاية تسير حياتنا ووجودنا بعد كل قرار سياسي سواء كان ايجابيا أم سلبيا، أسئلة لا حدود لها. لكن الأهم في مجمل الأسئلة هو من يدير كل شيء ويحكم مقاليد الوجود حقّا وحقيقة؟
لا جديد في عالمنا، فالعقل البشري الذي يصنع القرار السياسي أعجز في كل إمكاناته الذاتية أن يغيّر شيء من معادلات الخلق ومسار أفلاك الطبيعة وتقلباتها، وهو أكثر عجزا عن تعطيل السُنن التي تحكم الأشياء أو التلاعب في قوانين الكون، مقابل ذلك، أيمكننا الجزم بأن كل شيء على ما يُرام. ثم نقتنع بأن الصراع الذي يدور في عالمنا نتيجة للقرارات السياسية بجميع حيثياته وكوارثه ما هو إلا حالة طبيعيّة تُحسب على توازن الكائنات؟ إن الحياة عند أبسط معالمها المتمثلة في الخليّة الحيّة الى أعقدها كمالا وإجمالا لدى الإنسان موظفة عمليّا ومبرمجة بعناية لإنتاج غاية نموذجيّة عظمى. إذا تجاهلنا وجود هذا التوظيف والغاية فلن يبقى أي معنى لحياتنا ووجودنا غير العبث، وعلينا تقبل فرضية صنع القرارات السياسية لكي نبرر عجزنا عن فهم علل التكوين والخلق، بهذا العجز يجب أن نقنع ونسلم بأن كل المخلوقات ليست سوى دُمى تتراقص في تناسلها وفنائها على مسرح العبث أو اللامعنى، إزاء هذا التخبط والضياع هنالك موروث عظيم يرفض الهوس الفكري الى مستوى تحدي قواعد اللعبة العقلانيّة ويفتح لنا ثغرة في جدار الجمود المادي، بالتحديد نتحدث هنا عن النبوّة، وبشكل خاص أعني الأنبياء الثوّار اللذين أحدثوا تغيّرا في الواقع الإنسان إبتداءا من السلطان العظيم آدم مرورا بنوح الذي صنع سفينة البقاء الى إبراهيم الذي هشّم أصنام النمرود ثمّ موسى في عصاه التي ابتلعت أفاعي الطغيان وشقت البحر الأحمر ومرورا بمملكة داوود وسليمان حتى المسيح عيسى بن مريم الذي محق العجل الذي عكفت عليه اليهود ومهّد الطريق لثورة النبيّ الأمي المهدي محمد بن عبد الله في جزيرة العرب، بنظرة مبسطة سنرى كل الأنبياء كانوا يسخطون على واقعهم ويدعون الى تغيره وجلهم كان عالما مصلحا، والبعض منهم كانوا زعماء لحركات إصلاحية وثوريّة وتشكلت أحزابا من خلال دعوتهم وخاضوا حروبا وأسسوا دول وأنظمة، كان موسى نبيّا وقائدا لبني إسرائيل وكان داوود نبيّ محارب ورجل دولة، وكذلك سليمان في مملكته وإنجازاته العمرانية وحكمته السياسية، والنبيّ العربي مُحمد صلى الله عليه وسلم الذي قلب كيان جزيرة العرب وأسس لنظام دولة عظمى امتدت حدودها من جنوب فرنسا غربا الى الصين شرقا. لسنا بشأن استعراض مفاهيم معينة أو إثبات صحة دعوة دينيّة، وإنما المنطق الذي نعتمده يتجاوز الصور النمطية وغلاف الأشياء أو المسميات إلا من باب كونها أدلة محددة في سياق الموضوع.
قضيتنا تتلخص بفهم حقيقة وجودنا ومقدرات حياتنا المرتبطة بعملية صنع القرار السياسي كما أسلفت آنفا، وحيث هذا الوجود والخلق قد صدر عن إرادة عظمى فلن يخرج إطلاقا عن سيطرة وهيمنة وتدبير هذه الإرادة، فما كان ولم يكن من قبل لن يخرج عن حدود تكوينه ولن يتجاوز إرادة مكونه وخالقه. إن الحقيقة الثابتة لا تحتاج الجدل والتأويل بفرض كينونتها، بل أن النقيض يحتاج الى تبرير علة الخلق وبيان الأصل الذي تشكلت عنه المادة وكل معالم الطبيعة قبل الخوض في ظهور الحياة بكل تعقيدات الأنواع، عقل الإنسان في كل ضروب تجلياته وتخصصه لم يتجاوز عملية البحث في النتائج، بمعنى أوضح أن القرار السياسي هو يعالج القضايا في كونها محصلات ويدور في أفلاك المكونات ليس أكثر. لكن العقل بذاته ليس مستقلا عن الكون الذي ينتمي اليه ولاعن الإرادة السابقة العظمى في إنتاجه، والعقل الإنساني بفطرته يمتلك موءودة عظيمة إضافة لكونه مستودع شفرات أسرار الوجود.
بلاشك أن عملية صنع القرار السياسي أصبحت مثار تساؤلات وجدل من بعد وفاة الرسول العظيم محمد صلى الله عليه وسلم إلى العصر الراهن، لاسيما فإن صناعة القرار السياسي موضوع شائك ومؤثر على البنية الاجتماعية لأنه لا يخاطب النخبة المثقفة وحسب وفق منطلقاته النظرية بل يتجاوزها إلى جميع الشرائح الاجتماعية، ومدى قدرته على التكيف مع البيئة الاجتماعية التي يستمد القوة منها باعتبارها ساحة تحركه، إضافة إلى مخاطر القرار السياسي على الصعيد الدولي. بيد إن حالة الجهل والانغلاق في المجتمعات الإسلامية التي بقيت تتشبث بالموروث الثقافي الديني وتخضع لسلطة تشريعاته عرفيا لعدم وجود قوانين تنظم العلاقة وتحدد الحقوق والواجبات أو طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم في حقبة ما قبل الاستعمار واستمرار هذه الحالة بعد قيام الدولة الوطنية التي لم تنجح في تغيير الواقع وتطوير المجتمع لأسباب كثيرة أبرزها ما يتناغم مع المشاعر التقليدية الموروثة والسائدة في عموم العالم العربي والإسلامي.
من هنا يبرز ملمح أساسي في موضوع عملية صنع القرار السياسي وهو (العقل البشري وعلاقة الدين بالدولة) سيما منذ فجر الخلائق لا زالت التغيرات تطرأ على عالم وجود الكائنات، التفاعل يسري بين جميع الأشياء وبشكل معقّد جدا ومنتظم لا يتجاوز المقادير الدقيقة للمكونات المعبئة في حاوية الوجود العظيم. إن العقل الإنساني هو البؤرة العظمى التي تستقطب أنوار وأسرار جميع معالم الوجود والكائنات بما في ذلك ما هو خارج عن الإدراك الحسي والتصوّر. عند هذه النقطة الجوهريّة في ذات العقل تكمن العلاقة بين الخالق العظيم ومخلوقه المنتخب الإنسان. هذا هو العقل البشري وليس كما تعرفه لنا الماركسية على أنه أعقد صورة أنتجتها المادة من خلا التطور التاريخي، وهو تعريف ساذج. ذلك لأن الدين عند ماركس يبدو منتجا اجتماعيا وهو جزء من البناء الفوقي في مجتمع الملكية الخاصة يرتبط بقاءه واستمرار وجوده ببقاء مجتمع الملكية الخاصة وينحل بنحلاله.
المسألة التي نحن بصددها هي الإرادة، إمكانية العقل في الفعل والتأثير على القرار السياسي أبعد من حدود قواه الماديّة، صناعة المعجزة التحكم في مقدرات العالم وتسخيره؟
وأين هو السّر، ما هو الحقيقي الذي يعجز المنطق عن تفسيره أو تعليله، الى أي غاية تسير حياتنا ووجودنا بعد كل قرار سياسي سواء كان ايجابيا أم سلبيا، أسئلة لا حدود لها. لكن الأهم في مجمل الأسئلة هو من يدير كل شيء ويحكم مقاليد الوجود حقّا وحقيقة؟
لا جديد في عالمنا، فالعقل البشري الذي يصنع القرار السياسي أعجز في كل إمكاناته الذاتية أن يغيّر شيء من معادلات الخلق ومسار أفلاك الطبيعة وتقلباتها، وهو أكثر عجزا عن تعطيل السُنن التي تحكم الأشياء أو التلاعب في قوانين الكون، مقابل ذلك، أيمكننا الجزم بأن كل شيء على ما يُرام. ثم نقتنع بأن الصراع الذي يدور في عالمنا نتيجة للقرارات السياسية بجميع حيثياته وكوارثه ما هو إلا حالة طبيعيّة تُحسب على توازن الكائنات؟ إن الحياة عند أبسط معالمها المتمثلة في الخليّة الحيّة الى أعقدها كمالا وإجمالا لدى الإنسان موظفة عمليّا ومبرمجة بعناية لإنتاج غاية نموذجيّة عظمى. إذا تجاهلنا وجود هذا التوظيف والغاية فلن يبقى أي معنى لحياتنا ووجودنا غير العبث، وعلينا تقبل فرضية صنع القرارات السياسية لكي نبرر عجزنا عن فهم علل التكوين والخلق، بهذا العجز يجب أن نقنع ونسلم بأن كل المخلوقات ليست سوى دُمى تتراقص في تناسلها وفنائها على مسرح العبث أو اللامعنى، إزاء هذا التخبط والضياع هنالك موروث عظيم يرفض الهوس الفكري الى مستوى تحدي قواعد اللعبة العقلانيّة ويفتح لنا ثغرة في جدار الجمود المادي، بالتحديد نتحدث هنا عن النبوّة، وبشكل خاص أعني الأنبياء الثوّار اللذين أحدثوا تغيّرا في الواقع الإنسان إبتداءا من السلطان العظيم آدم مرورا بنوح الذي صنع سفينة البقاء الى إبراهيم الذي هشّم أصنام النمرود ثمّ موسى في عصاه التي ابتلعت أفاعي الطغيان وشقت البحر الأحمر ومرورا بمملكة داوود وسليمان حتى المسيح عيسى بن مريم الذي محق العجل الذي عكفت عليه اليهود ومهّد الطريق لثورة النبيّ الأمي المهدي محمد بن عبد الله في جزيرة العرب، بنظرة مبسطة سنرى كل الأنبياء كانوا يسخطون على واقعهم ويدعون الى تغيره وجلهم كان عالما مصلحا، والبعض منهم كانوا زعماء لحركات إصلاحية وثوريّة وتشكلت أحزابا من خلال دعوتهم وخاضوا حروبا وأسسوا دول وأنظمة، كان موسى نبيّا وقائدا لبني إسرائيل وكان داوود نبيّ محارب ورجل دولة، وكذلك سليمان في مملكته وإنجازاته العمرانية وحكمته السياسية، والنبيّ العربي مُحمد صلى الله عليه وسلم الذي قلب كيان جزيرة العرب وأسس لنظام دولة عظمى امتدت حدودها من جنوب فرنسا غربا الى الصين شرقا. لسنا بشأن استعراض مفاهيم معينة أو إثبات صحة دعوة دينيّة، وإنما المنطق الذي نعتمده يتجاوز الصور النمطية وغلاف الأشياء أو المسميات إلا من باب كونها أدلة محددة في سياق الموضوع.
قضيتنا تتلخص بفهم حقيقة وجودنا ومقدرات حياتنا المرتبطة بعملية صنع القرار السياسي كما أسلفت آنفا، وحيث هذا الوجود والخلق قد صدر عن إرادة عظمى فلن يخرج إطلاقا عن سيطرة وهيمنة وتدبير هذه الإرادة، فما كان ولم يكن من قبل لن يخرج عن حدود تكوينه ولن يتجاوز إرادة مكونه وخالقه. إن الحقيقة الثابتة لا تحتاج الجدل والتأويل بفرض كينونتها، بل أن النقيض يحتاج الى تبرير علة الخلق وبيان الأصل الذي تشكلت عنه المادة وكل معالم الطبيعة قبل الخوض في ظهور الحياة بكل تعقيدات الأنواع، عقل الإنسان في كل ضروب تجلياته وتخصصه لم يتجاوز عملية البحث في النتائج، بمعنى أوضح أن القرار السياسي هو يعالج القضايا في كونها محصلات ويدور في أفلاك المكونات ليس أكثر. لكن العقل بذاته ليس مستقلا عن الكون الذي ينتمي اليه ولاعن الإرادة السابقة العظمى في إنتاجه، والعقل الإنساني بفطرته يمتلك موءودة عظيمة إضافة لكونه مستودع شفرات أسرار الوجود.
0 تعليقات