قبل ان تطلق النار على رأس الضحية .. هل تتكلم أم تصمت ؟ وهل السكوت هنا علامة على الرضا ؟ .. وإن خيرتها بين قبرين في أحدهما بعض الحب أو التعبير عنه جسديا .. ثم يعقبهُ مقبورون صغار وهم على قيد الموت .. أيهما ستختار ؟.. الليل المظلم المُخيف . أم النهار ؟ .. البطولة أم العار ؟ .. النور أم النار ؟ من الذي علا صوته ولم يصمت عندما أهينت كرامته .. وكم صرخة صداها مزق اوراق اللعب حين انتُهكت الأعراض وقُتل البرىء وصودرت القيم ؟ .. كم كبيرا وطأت رأسه أقدام الصغار ؟ .. وكم عفيفة فارقتها الفضيلة بعد ان إعتلاها الذين ولدوا في الزواية المُظلمة من شوارع الخطيئة . وكم ، وكم أيها الشعب الذي كان يلبسُ تاج الوقار ؟
الى أين المسير ومتى يطلع النهار ؟
هل تعلمون أن العقل الباطن يثرثر أيضا أيها الكبار ؟ .. فإذا سكت اللسان تكلمت العيون ، وإذا تحركت الأيدي التي تبطش أحيانا كتبت الف حكاية ورواية في عالم السكون ، ثم تتبعها القدمان اللتان تنقلان الجسد معبرة عن دلالات عديدة في خفايا النفس .. كنا كثيرًا ما نقول للطفل الصغير الذي يُحاول أن يكشف خربشات صوته قبل غفوة الصباح أو يبحث عن ساحة اللعب التي لن يدله عليها أحد .. إخرس أيها الولد .. وصمته هنا دلالة على الإذعان الى الأبد .. كذلك دمى السلطة في الدول التي انجبت شعبا ليس له لسانا بين فكيه .. لهذا لا يعرفون سوى التلفظ بعبارات خادشة للحياء ضد حكامهم . ولا يتحملون المسؤولية .. لأنهم ببساطة ضيعوا الأحلام وفقدوا الهوية . وبالتالي ألزموهم بالإنصياع والرضا عن الحال أو بعضه بعد ان تركوا البندقية .. فسكوت الذين يمتلكون أدوات الكلام يدل أما على القهر أو عدم القدرة على تغيير الوضع الراهن ..
إن البلد يغيب .. وهو ليس مجرد غياب . بل لقد نسيه البشر ..
وفي الجانب الآخر من الظلام أصبح الرعب أكثر حضوراً في أجواء السكوت .. الصمت الذي يعيدنا الى الأعماق حيث الهوة السوداء السحيقة .. حيث تختبىء الحقيقة . المكان الذي يتفجّر منه الكلام .. لكن أي كلام ؟ .. كلمات الهمس ونوح الحمام الذي كان يشعر بالسلام .. أيُّ كلام ؟ ..
فاليوم لم يعد هناك سوى هواة التأمّل . الغارقون في عالم الهيام .. هم الذين ينصتون للصمت .. القابعون في الخيام .
ألم يأن الأوان لنحلم بالحرية ونبصق الدماء من أفواهنا ونطلق صيحات الغضب ؟.. متى نعود الى سير الأجداد ونغوص في اعماق التاريخ الذي كتبناه بحروف من نور ؟ .. يا للعجب . الا نستحق ان نحيا ونبتسم ونحلم ونشعر بالفخر والسرور أيها المُسلمون . أيها العرب ؟
ايتها الزلازل والبراكين التي روعت الدنيا الصامتة في ساعات الفجر .. ضاعت شعوبا تحت ركام الغزاة الجدد .. غزاة يحملون جواز مرور أصفر موسوما بالحقد الأبدي .. يتحملون كامل المسؤولية عن كل ماجرى من زلازل دمرت وادي الرافدين وجعلت زوارقه وأقدام الصيادين تغوص في قاع الصمت مثل لوحة إدوارد هوبر التي تروي لنا قصة عامل في محطة وقود يؤدي واجبه في الغسق صامتًا صمت المضخات ..من الذي يستطيع ان يبني جدارا كبيرا من الماء ؟.. لبناته مجرد حروف ضعيفة تواجه محيطا كبيرا من السكون . صمتٌ بلا أنين .. وشوقٌ بلا حنين . أو كما يقول الكاتب كاغي : " أن المعرفة بنظر أفلاطون وأرسطو تكمن حيث تتوفى الكلمات " ..
ألم تسمعوا عن شعب أصمٌ أبكم . مسلوب الإرادة زار طبيبا نفسيا يروم العلاج ؟ .. فطلب منه الدكتور ألا يأتي مرة أخرى لأنه لايفهم لغة الإشارة .. فكتب له على باب العيادة رسالة يقول فيها : من كانت له عينان يرى بهما ، وآذن يسمع بها .. وعقل يفكر فيه .. يفهم ما يرى ويفسر ما جرى .
فليعلم أن في الصمت لغة ..
0 تعليقات