يقول الشاعر العربي:
وما عسى أن يقال في
وصفِ صحاح الجوهري
وقال آخر:
أحاديث لو صيغت لألهت بحسنها
عن الوشي أو شمت لأغنت عن المسك
وقال ثالث:
ما كان أحوجَ ذا الكمال إلى
عيبٍ يوقيه من العين
هذا ما يستطيع أن يقرضَ به القارئ الإيجابي نصوص ( رحلةٌ على صهوة الكلمة), فهي نصوصٌ لها من الشعرية الكثير جدًا, ولها من نزعة الفكر الثيمة المركزية, ولها من الفن آيات عديدة. كتابة النصوص الأدبية ليست بالأمرّ الهيّن والمتاح لكلِّ من يستطيع الكتابة, فالنصُّ الأدبيُّ يحتاجُ إلى مرجعياتٍ فكريةٍ وأدبيةٍ فنّية مجتمعة, لأنّ هذه التشكيلة الثلاثية هي التي تجعل من النصِّ ينفتحُ على صورٍ تأويليّة وإلا أصابهُ ما يصيب النصوصّ التي تُستهلك في أوّلِ قراءةٍ, لكن هناك طبقة من الأدباءِ خلقوا الجمال في ما كتبوه عبرَ لغةٍ غير عادية أو غير نمطية, لغةٌ رّاقيةٌ تستهويك وتسحرك بإيقاع أثرها فيكَ, واللغةُ لوحدها غير كافية لجعل الكتاب يُقرأ بقراءاتٍ متعددة, لا بُدَّ أن تكون الفلسفة والاجتماع وقضايا الفكر حاضرة حتّى يُضاف إلى النصّ حيواتِ كثيرة, إذ انتهت واحدة تأتي الأخرى وهكذا يبقى النصّ مقاومًا الزمن عبر تجددهِ وتكيفهِ لتغير الظروف والأذواق, من هنا نجد أنّ نصوصَ الكاتبة ملاك عباس درويش هي من تلك النصوص التي تملك حيوات كثيرة, فأنت واجدٌ هذه الحيوات عبر أشكالٍ متعددة, وسنوجزها بأهمِ ما هيمن على النصوص من مقومات جمالية ومعرفيةٍ والتي نبدأها :
الأولى: اللغة
اللغةُ عند المبدعة تتجاوز كونها وسيلة لتكون آية من آيات الفنّ, فلغةُ النصوص هي لغة إبداعية , لغة عالية من حيث قوّتها وأنيّقة من حيث تركيبها, فهي لغة الفنّ الاحترافيّ, أو لغةُ الجمال الذي يشدُك ويسحرك, فلغة هذه النصوص هي لغةٌ مكتوبةٌ للجمال الفنّي الخالص . إن لغةَ المُبدعة/ المبدع, تعتمد على صورٍ بلاغيةٍ كثيرة, فإذا كان الحداد يستطيع أن يصنعَ أيّ هيئةٍ من الحديد عبر النار, فإن ملاك عباس درويش قد صنعت من كلماتها أشياءً أخرى, وليّنت اللغة وجعلتها على هيئةٍ وصورٍ متعدد. فأنت تحتاجُ إلى أن تستعينَ بنظرياتِ علم الجمال لتتفاعل مع هذه النصوص, لأنّ التفاعل مع نصٍ أدبيٍ نثريٍ , يستدعي منك أن تكون مُلمًا بنظريات علم الجمال لتتمكن من تصنيف هذه النصوص على ضوء على الجمال, فالقولُ الجميل يؤثر في النفس ويهزها ويحدث فيها الأثر الكبير, فالجمالُ التعبيريُّ هو سمة اللغة الإبداعية وكما تقرّ الناقدة الجمالية أميرة حلمي مطر حيث تقول: وعلم الجمال المعاصر يخرج المضوع الطبيعي من مجال النقد الفني, لأنه ليس ثمرة الابتكار والإبداع الفني, فموضوعات الطبيعة كالزهور والبحار والطيور, وإن كانت تثير بهجة الإنسان وإعجابه, لا تكتسب قيمة جمالية إلا من خلال الذوق الفني الرؤية المدربة التي تستخدمها مادة للتعبير الجميل.
فاللغةُ الفنّية التي كُتبت بها نصوص (رحلة على صهوة الكلمة) هي لغة جمالية صرفة, لغة فوق اللغة العادية, لغة الفن المكتوب للفن ذاته. إنَّ لغة التعبير عند الكاتبة تستند على بلاغةٍ عاليةٍ, وهذه البلاغة هي بلاغة الاستعمال الموفق والتركيب المتناسق المناسب, ولنقرأ النصّ ونمعن فيه, لنتذوق جمالية هذه اللغة التي تجاوزت كونها وسيلة لتتحول إلى لغة للمتعة والفنّ والجمال, تقولُ الكاتبة في نصٍ لها( خواطر دافئة): بملءِ هذا الفيضِ من الجمالِ نخوضُ مآزقَ من خيبة, وكأننا فئرانُ تجاربَ تستمدُّ بقاءها من أيدٍ تلوّحُ لها بداءٍ أو دواءٍ وفي نصٍ آخرٍ لها ( كتابٌ مفتوحٌ إلى ثوبِ عيد): أيّها العيدُ, ارتأيتُ أن أحييكَ عندَ أذيالِ نهاراتِك , فكثيرةٌ تلك التي لم تشرق من شمسُها على أثواب فقراءَ مرقعةٍ بعرقِ همومهم اليوميّة.
الثانية: الفلسفة
الفلسفةُ موجودةٌ في كُلِّ نصٍ في هذه النصوص الفنّية, ولعلَ الفلسفةَ هي الأبرز والمهيمن في الخطاب العام للرؤى الخاصة بالكاتبة, فهي ممتلئةٌ بالأسئلة المحفزة لأجوبةٍ غير مُعلّبةٍ أو جاهزة, أسئلة في قضايا مهمة تخص وجود الإنسّان, هي منشغلةٌ بتأملٍ كبير في هذه القضايا المركزية, وهذا الانشغالُ ولّدَ في مخيلتها هذا الكم من الأسئلة غير التقليدية, هي أسئلةٌ عميقةٌ. المبدعةُ منشغلةٌ بالرّاهن الواقعي الذي تعيشهُ ويعيشه إنسّان اليوم, هي تفكرُ بهذا الواقع وتحاول أن تستنطقَ أجوبة ذكية عبر أسئلة ذكية, تثيرها بصورةٍ مبطنةٍ في نصوصها, هي تميلُ إلى جعلِ خطابها يأخذ مكانهُ في نفوس كل القرّاء , هي تخاطب الجميع بلغة يألفها ويحبها ويفهما الجميع, لغة العقل والفلسفة سترضي نهم المثقف العضوي ولغة التفهم سيفهما القارئ النمطي, وهذا النزوع تجلّى بنصوصها كلّها, فالفلسفةُ حاضرةٌ في كلّ نصوصها, تقول في نصّ ( إلى أين): إلى حيثُ تأخذنا قوافلُ الضياعِ في كل آونةٍ.. فلا استقرارَ ينشدها ولا ميناءَ يرجوها,, تسأل سباتها المرير: متى ستلقنني درسًا في النّسيان؟!, هذا النصّ ينفتحُ على أبوابٍ تأويلية واسعة وكثيرة, لذا, جاء النصّ بخطاب الفلسفة الذي يريد التساؤل لا السؤال, أي التأمل لا الجواب الجاهز عن قضايا ثيمتها هو الواقع اليومي.
الثالثة: الثقافة
المميزُ في مجمل هذه النصوص أنّها معبأة ثقافيًا, ومكتوبة بوعيٍ كبيرٍ, هذه الثقافة هي قوةُ هذه النصوص التي جاءت في أرّقى ما يمكن أن تأتي به نصوص أدبية, الكتابةُ مرآةٌ تعكس عقل صاحبها, محالٌ أن يأتي النص الجيّد من قارئ سيء والعكس بالعكس, فهذه النصوص تبهرك بجماليتها وما ضمنته من قيم فكرية وقضايا هي في صميم الواقعية. النصوصُ مفتوحةُ النهايات ! لعل الكاتبةَ تريد ألا نتركها وأن نبقى نجري وراءها, هي تترك النهايات ليشارك القارئ في صناعتها وتأملها, ملاك عباس درويش, تحترم القارئ وتقدم لها الزاد المعرفي على طبقٍ أنيقٍ وشهي, فهي تقدم النصيحة له من أوّل الرحلة: ... لن أطيل عليك يا قارئي, فللكلام تتمةٌ بين السطور, وأتمنى لك, رحلةً فكرية شيّقة لا شاقةً على صهوة الكلمة, ولا تنسَ بين السّطور وما وراءَ كواليسها أن تتزود بالمتعةِ والفائدة. من المقدمة نعرفُ أن الطبقَ المُقدم لنا هو مادة معرفية ممتعة, يسهم القارئ مع الكاتبة في النصّ, وهي في تواضعها الكبير تتمنى للقارئ رحلة شيّقة لا شاقة, والمتأملُ في المقولة وبعد أن يقرأ الكتاب, سيعرفُ أن في الكتابة شقاء وتشويق, الشقاءُ شقاء المعرفة التي تعتمد على العقل وشيقة كون المتعة والجمال هو الشكل الذي صِيغت به هذه القضايا المركزية المهمة. رسائلُ الثقافة والمعرفة كثيرة جدًّ, وأنّك تستطيع أن تدركَ بعد تأملِ النصوص أنّك شريكٌ أساسيٌ مع الكاتبة, هذا التلاقح المعرفي الذي أرادته الكاتبة هو التقنية الجديدة في الكتابة, لأنّ الكاتب لا ينبغي له أن يتجزأ عن المتلقي, ولأنّ في الشراكة معًا, تصل الرسالة الفكرية الممتعة التي ترسلها المبدعة إلى القرّاء عامةً, نصوص ( رحلة على صهوة الكلمة) أخذتني إلى استذكار نصوص الأديب الكبير المرحوم مصطفى صادق الرافعي في كتابهِ ( وحي القلم), فكلاهما ينزعان ذات النزوع الجمالي والفكري, إلا أنّ الفرقَ بينهما يكمن في أن الرافعي في زمنٍ وملاك في زمنٍ, إلا أن سرَّ بقاءَ الاثنين معًا هو هذا الذي يسمى ( أدبًا), فكلاهما يكتبان الفكر بالثوب الأدبيّ, والأدب هو الذي يبقى بعد فناء كل الأشياء الأخرى, وجدتُ الشبهَ الكبير في الآلية التي يكتب بها الرافعي وملاك, هو أنهما يكتبان النصّ بعد تدبرٍ فيه, أيّ أنّهما يكتبان بعقلٍ ناضجٍ, فأنت تقرأ ملاك لأوّل مرّة, لا بدَّ ان تتركَ فيك الأثر الفنّي والمعرفي, فهي رحلةٌ تضمنت العدة الكاملة لرحلةٍ مفيدة وغنّية بما تشتهي النفس والعقل.
وما عسى أن يقال في
وصفِ صحاح الجوهري
وقال آخر:
أحاديث لو صيغت لألهت بحسنها
عن الوشي أو شمت لأغنت عن المسك
وقال ثالث:
ما كان أحوجَ ذا الكمال إلى
عيبٍ يوقيه من العين
هذا ما يستطيع أن يقرضَ به القارئ الإيجابي نصوص ( رحلةٌ على صهوة الكلمة), فهي نصوصٌ لها من الشعرية الكثير جدًا, ولها من نزعة الفكر الثيمة المركزية, ولها من الفن آيات عديدة. كتابة النصوص الأدبية ليست بالأمرّ الهيّن والمتاح لكلِّ من يستطيع الكتابة, فالنصُّ الأدبيُّ يحتاجُ إلى مرجعياتٍ فكريةٍ وأدبيةٍ فنّية مجتمعة, لأنّ هذه التشكيلة الثلاثية هي التي تجعل من النصِّ ينفتحُ على صورٍ تأويليّة وإلا أصابهُ ما يصيب النصوصّ التي تُستهلك في أوّلِ قراءةٍ, لكن هناك طبقة من الأدباءِ خلقوا الجمال في ما كتبوه عبرَ لغةٍ غير عادية أو غير نمطية, لغةٌ رّاقيةٌ تستهويك وتسحرك بإيقاع أثرها فيكَ, واللغةُ لوحدها غير كافية لجعل الكتاب يُقرأ بقراءاتٍ متعددة, لا بُدَّ أن تكون الفلسفة والاجتماع وقضايا الفكر حاضرة حتّى يُضاف إلى النصّ حيواتِ كثيرة, إذ انتهت واحدة تأتي الأخرى وهكذا يبقى النصّ مقاومًا الزمن عبر تجددهِ وتكيفهِ لتغير الظروف والأذواق, من هنا نجد أنّ نصوصَ الكاتبة ملاك عباس درويش هي من تلك النصوص التي تملك حيوات كثيرة, فأنت واجدٌ هذه الحيوات عبر أشكالٍ متعددة, وسنوجزها بأهمِ ما هيمن على النصوص من مقومات جمالية ومعرفيةٍ والتي نبدأها :
الأولى: اللغة
اللغةُ عند المبدعة تتجاوز كونها وسيلة لتكون آية من آيات الفنّ, فلغةُ النصوص هي لغة إبداعية , لغة عالية من حيث قوّتها وأنيّقة من حيث تركيبها, فهي لغة الفنّ الاحترافيّ, أو لغةُ الجمال الذي يشدُك ويسحرك, فلغة هذه النصوص هي لغةٌ مكتوبةٌ للجمال الفنّي الخالص . إن لغةَ المُبدعة/ المبدع, تعتمد على صورٍ بلاغيةٍ كثيرة, فإذا كان الحداد يستطيع أن يصنعَ أيّ هيئةٍ من الحديد عبر النار, فإن ملاك عباس درويش قد صنعت من كلماتها أشياءً أخرى, وليّنت اللغة وجعلتها على هيئةٍ وصورٍ متعدد. فأنت تحتاجُ إلى أن تستعينَ بنظرياتِ علم الجمال لتتفاعل مع هذه النصوص, لأنّ التفاعل مع نصٍ أدبيٍ نثريٍ , يستدعي منك أن تكون مُلمًا بنظريات علم الجمال لتتمكن من تصنيف هذه النصوص على ضوء على الجمال, فالقولُ الجميل يؤثر في النفس ويهزها ويحدث فيها الأثر الكبير, فالجمالُ التعبيريُّ هو سمة اللغة الإبداعية وكما تقرّ الناقدة الجمالية أميرة حلمي مطر حيث تقول: وعلم الجمال المعاصر يخرج المضوع الطبيعي من مجال النقد الفني, لأنه ليس ثمرة الابتكار والإبداع الفني, فموضوعات الطبيعة كالزهور والبحار والطيور, وإن كانت تثير بهجة الإنسان وإعجابه, لا تكتسب قيمة جمالية إلا من خلال الذوق الفني الرؤية المدربة التي تستخدمها مادة للتعبير الجميل.
فاللغةُ الفنّية التي كُتبت بها نصوص (رحلة على صهوة الكلمة) هي لغة جمالية صرفة, لغة فوق اللغة العادية, لغة الفن المكتوب للفن ذاته. إنَّ لغة التعبير عند الكاتبة تستند على بلاغةٍ عاليةٍ, وهذه البلاغة هي بلاغة الاستعمال الموفق والتركيب المتناسق المناسب, ولنقرأ النصّ ونمعن فيه, لنتذوق جمالية هذه اللغة التي تجاوزت كونها وسيلة لتتحول إلى لغة للمتعة والفنّ والجمال, تقولُ الكاتبة في نصٍ لها( خواطر دافئة): بملءِ هذا الفيضِ من الجمالِ نخوضُ مآزقَ من خيبة, وكأننا فئرانُ تجاربَ تستمدُّ بقاءها من أيدٍ تلوّحُ لها بداءٍ أو دواءٍ وفي نصٍ آخرٍ لها ( كتابٌ مفتوحٌ إلى ثوبِ عيد): أيّها العيدُ, ارتأيتُ أن أحييكَ عندَ أذيالِ نهاراتِك , فكثيرةٌ تلك التي لم تشرق من شمسُها على أثواب فقراءَ مرقعةٍ بعرقِ همومهم اليوميّة.
الثانية: الفلسفة
الفلسفةُ موجودةٌ في كُلِّ نصٍ في هذه النصوص الفنّية, ولعلَ الفلسفةَ هي الأبرز والمهيمن في الخطاب العام للرؤى الخاصة بالكاتبة, فهي ممتلئةٌ بالأسئلة المحفزة لأجوبةٍ غير مُعلّبةٍ أو جاهزة, أسئلة في قضايا مهمة تخص وجود الإنسّان, هي منشغلةٌ بتأملٍ كبير في هذه القضايا المركزية, وهذا الانشغالُ ولّدَ في مخيلتها هذا الكم من الأسئلة غير التقليدية, هي أسئلةٌ عميقةٌ. المبدعةُ منشغلةٌ بالرّاهن الواقعي الذي تعيشهُ ويعيشه إنسّان اليوم, هي تفكرُ بهذا الواقع وتحاول أن تستنطقَ أجوبة ذكية عبر أسئلة ذكية, تثيرها بصورةٍ مبطنةٍ في نصوصها, هي تميلُ إلى جعلِ خطابها يأخذ مكانهُ في نفوس كل القرّاء , هي تخاطب الجميع بلغة يألفها ويحبها ويفهما الجميع, لغة العقل والفلسفة سترضي نهم المثقف العضوي ولغة التفهم سيفهما القارئ النمطي, وهذا النزوع تجلّى بنصوصها كلّها, فالفلسفةُ حاضرةٌ في كلّ نصوصها, تقول في نصّ ( إلى أين): إلى حيثُ تأخذنا قوافلُ الضياعِ في كل آونةٍ.. فلا استقرارَ ينشدها ولا ميناءَ يرجوها,, تسأل سباتها المرير: متى ستلقنني درسًا في النّسيان؟!, هذا النصّ ينفتحُ على أبوابٍ تأويلية واسعة وكثيرة, لذا, جاء النصّ بخطاب الفلسفة الذي يريد التساؤل لا السؤال, أي التأمل لا الجواب الجاهز عن قضايا ثيمتها هو الواقع اليومي.
الثالثة: الثقافة
المميزُ في مجمل هذه النصوص أنّها معبأة ثقافيًا, ومكتوبة بوعيٍ كبيرٍ, هذه الثقافة هي قوةُ هذه النصوص التي جاءت في أرّقى ما يمكن أن تأتي به نصوص أدبية, الكتابةُ مرآةٌ تعكس عقل صاحبها, محالٌ أن يأتي النص الجيّد من قارئ سيء والعكس بالعكس, فهذه النصوص تبهرك بجماليتها وما ضمنته من قيم فكرية وقضايا هي في صميم الواقعية. النصوصُ مفتوحةُ النهايات ! لعل الكاتبةَ تريد ألا نتركها وأن نبقى نجري وراءها, هي تترك النهايات ليشارك القارئ في صناعتها وتأملها, ملاك عباس درويش, تحترم القارئ وتقدم لها الزاد المعرفي على طبقٍ أنيقٍ وشهي, فهي تقدم النصيحة له من أوّل الرحلة: ... لن أطيل عليك يا قارئي, فللكلام تتمةٌ بين السطور, وأتمنى لك, رحلةً فكرية شيّقة لا شاقةً على صهوة الكلمة, ولا تنسَ بين السّطور وما وراءَ كواليسها أن تتزود بالمتعةِ والفائدة. من المقدمة نعرفُ أن الطبقَ المُقدم لنا هو مادة معرفية ممتعة, يسهم القارئ مع الكاتبة في النصّ, وهي في تواضعها الكبير تتمنى للقارئ رحلة شيّقة لا شاقة, والمتأملُ في المقولة وبعد أن يقرأ الكتاب, سيعرفُ أن في الكتابة شقاء وتشويق, الشقاءُ شقاء المعرفة التي تعتمد على العقل وشيقة كون المتعة والجمال هو الشكل الذي صِيغت به هذه القضايا المركزية المهمة. رسائلُ الثقافة والمعرفة كثيرة جدًّ, وأنّك تستطيع أن تدركَ بعد تأملِ النصوص أنّك شريكٌ أساسيٌ مع الكاتبة, هذا التلاقح المعرفي الذي أرادته الكاتبة هو التقنية الجديدة في الكتابة, لأنّ الكاتب لا ينبغي له أن يتجزأ عن المتلقي, ولأنّ في الشراكة معًا, تصل الرسالة الفكرية الممتعة التي ترسلها المبدعة إلى القرّاء عامةً, نصوص ( رحلة على صهوة الكلمة) أخذتني إلى استذكار نصوص الأديب الكبير المرحوم مصطفى صادق الرافعي في كتابهِ ( وحي القلم), فكلاهما ينزعان ذات النزوع الجمالي والفكري, إلا أنّ الفرقَ بينهما يكمن في أن الرافعي في زمنٍ وملاك في زمنٍ, إلا أن سرَّ بقاءَ الاثنين معًا هو هذا الذي يسمى ( أدبًا), فكلاهما يكتبان الفكر بالثوب الأدبيّ, والأدب هو الذي يبقى بعد فناء كل الأشياء الأخرى, وجدتُ الشبهَ الكبير في الآلية التي يكتب بها الرافعي وملاك, هو أنهما يكتبان النصّ بعد تدبرٍ فيه, أيّ أنّهما يكتبان بعقلٍ ناضجٍ, فأنت تقرأ ملاك لأوّل مرّة, لا بدَّ ان تتركَ فيك الأثر الفنّي والمعرفي, فهي رحلةٌ تضمنت العدة الكاملة لرحلةٍ مفيدة وغنّية بما تشتهي النفس والعقل.
0 تعليقات