عمر سعد سلمان
مع صعود وانتشار الدين الإسلامي، أصبحت مصر مركزاً لإنتاج السكر في العالم، وكان أسهل نوع يمكن صنعه من القصب هو السكر الداكن، حيث يأتي اللون من دبس السكر والذي يجعل ايضاً مذاق السكر أقرب للمراره. وما نسميه دبس السكر ليس سوى جزء طبيعي من الطحن الأول لقصب السكر لتحويله الى شراب.
تقوم مصانع السكر بتصفية دبس السكر الداكن لاستخدامه على حدة، بينما يكون السكر الأبيض نسبياً من نصيب النبلاء والاثرياء الذي ارادوه نقياً، وحلو المذاق، وناصعاً قد الإمكان، وقد عرف المصريون كيفية تلبية هذه الحاجة لمن كانوا قادرين على دفع تكلفته.
كان المصريون يقومون بسحق القصب والحصول على العصير، ثم يقومون بغلي السائل وتصفيته، وتركه ليستقر، ثم يقومون بتصفيته مرة أخرى، بعد ذلك يصبون العصير في قوالب مثقوبة القاع، بحيث يمكن تصريف السائل، وترك المسحوق فقط، ثم يخلط هذا المسحوق مع الحليب وعليه مرة أخرى، وبعد إتمام جولة كاملة من هذه الخطوات يتم تكرار العملية مرة أخرى، ونتيجة لهذا الجهد، صارت مصر معروفة بإنتاج أرقى وانقى أنواع السكر.
كان عالم السكر مرتكزاً على البحر المتوسط الإسلامي، لكنه امتد ايضاً الى الصين من الشرق وحتى أوروبا من الشمال. وعلى الرغم من ان الصينيين يعرفون كيف يزرعون قصب السكر وينتجون السكر البني منذ ألف عام، الا ان المصريين اكتشفوا كيفية صنع السكر الأبيض المبهر بطعمه. في الوقت الذي كانت المعارف الجديدة تنتشر في العالم الإسلامي ويستوعبها أهلها، ويتمتعون بالمذاق الحلو للسكر، كانت أوروبا تذهب الى الاتجاه المعاكس وهو العزلة.
اثناء الحرب الصليبية على أراضي المسلمين، تعلم الأوروبيون من المسلمين كيفية زراعة قصب السكر وكيفية صنع السكر، وكانت هذه المعرفة قيمة، لأنه في حين انه ليس من الصعب زراعة قصب السكر، الا ان المزارعين الذين يخططون لصنع السكر نفسه كانوا يواجهون تحدياً من نوع خاص.
يختلف صناعة السكر عن انتاج العسل، حيث يتوجب على كل عامل ان يقوم بمهمته بالشكل الصحيح وفي الوقت المناسب، وبتعاون من الجميع والا انهار النظام برمته. وقد ابتكر المسلمون شكلاً جديداً من اشكال الزراعة لمعالجة السكر، والذي أطلق عليه اسم مزارع السكر. والامر المختلف في هذه المزارع انها تنتج منتج واحد يمكن زراعته وحصده وغليه وتجفيفه، وبيعه الى أسواق بعيدة، لكن هذا المنتج لا يستطيع اطعام هذا المنتج الذي يحصدونه.
لم يحدث في تاريخ البشرية ان تدار المزارع بهذه الطريقة، حيث الآلات مصممة لتلبية رغبة واحدة فقط للمشترين الذين يمكن ان يكون على بعد الالاف الكيلومترات. في المزارع كان هناك مجموعات كبيرة من العمال يتراوح عددهم بين 50 الى بضع مئات، كانت المطحنة بجوار المحصول، بحيث تكون الزراعة والطحن في المكان نفسه، وكان العمل برمته محكوماً بالانضباط الشديد. بدأ المسلمون بوضع قواعد هذا النوع الجديد من الزراعة، وقاموا بالإضافة للمسيحيين بتشغيل عبيدهم في هذه المزارع.
كان العديد من العبيد الذين يعملون في مزارع السكر في حوض البحر المتوسط في بداية الامر من الروس او أي شخص تم اسره في الحرب، ولكن حتى هذا الانضباط الشديد لم يحل المشكلة الثانية في عملية صنع السكر. من اجل الحفاظ على درجة الغليان في تلك الاوعية كانت هناك حاجة الى كمية كبيرة من الخشب للحرق – في وقت لاحق، استخدم مزارعو السكر سيقان القصب كوقود – لا توجد أماكن كثيرة في العالم تقدم الأراضي الغنية التي يمكن ان يزرع فيها قصب السكر وتكون في الوقت نفسه بالقرب من الماء بحيث يمكن شحن السكر بسهولة الى الشواطئ البعيدة والمليئة بالاشجار الجاهزة للقطع. حلت زراعة السكر مشكلة إدارة قطع المحصول وتنقيته، ولكنها لم تزود المزارعين بالغابات التي يحتاجون الى اخشابها من اجل غلي شراب السكر.
في القرن الـ 15 الميلادي، كانت اسبانيا والبرتغال تتنافسان من اجل اكتشاف ساحل افريقيا وإيجاد طريق يجري الى اسيا، وبهذه الطريقة يمكن الحصول على التوابل الاسيوية الثمينة دون الحاجة الى دفع أسعار عالية لوسطاء البندقية والمسلمين. غزا الاسبان والبرتغاليون الذين يبحثون عن هذه الطرق البحرية (جزر الكناري)، وسرعان ما بدأوا ببناء مزارع السكر فيها على الطراز الإسلامي، واتوا بالعبيد من افريقيا المجاوره. كان هناك بحار واحد يعرف هذه الجزر بشكل خاص لانه كان يتاجر بالسكر، وبعد ذلك انطلق في رحلته الثانية عبر البحر الى ما كان يعتقد انه اسيا، حمل معه قصب السكر على متن سفينة من غوميرا (احدى جزر الكناري) كان اسم هذا الرجل (كولومبوس).
0 تعليقات