الغرض من هذه المقالة هو تحليل عناصر بقاء ركائز الدولة الاجتماعية واستمرار ديمومة الدولة وبقاءها والكشف عن مضامين الفكرة التي نشأت من خلال العلاقة الطردية مع الواقع أي ان ( أصل الافكار هو من واقع الحياة)، في اجراء بعض المقاربات بين المناطق التي تتشابه من حيث التنوع الثقافي أو الديني.
بطبيعة الحال هذه الإجراءات التي نتوسلها هي اجراءات علمية صارمة لا تقبل المواقف السابقة التي تقدم نفسها على طبيعة الواقع و إلباس الأحداث بمصطلحات جاهزة. وفي العموم تكاد تكون العملية السياسية لا تعتمد البتة على التحليل العلمي الاجتماعي في تطور تكوين المجتمع. بل ان عملها قد يسبق عملية التفكير العلمي. ومن هنا نحاول ان نطرح مفهوم ومعنى القيادة التي تحاول ان تبرز دورها في تزعم التنوعات الاجتماعية في جغرافية بعينها ووطن واحد، وتوضيح معايير القيادة العامة،وكيفية نمو قيمتها الاجتماعية، في هذه التصادمات وأصوات الضجيج المرتفع؟ وفي النهاية هل اننا نمتلك رصيدا جيدا من القيادات؟
في البدء لابد ان نقرّ ونعترف بصعوبة العمل السياسي في دولة ترعى مجموعات طائفية أو عرقية اذا لم تحقق الدولة أمنا اجتماعيا يعكس بظلاله على الشعور الفرداني ويخلق مساحة كبيرة من الاطمئنان الذي ينتج مواطنا سوياً.
السؤال الاستراتيجي الذي يطرحه العقل الإنساني هو: حول البحث عن ماهية ونوعية القيادة التي يمكن لها ان توفر لنا مجموعة العوامل التي تساعد في إنشاء مجتمع معافى من عقد الفوقية التي لطالما تربت عليها الأجيال منذ النشأة والبناء، وقد تكون من الصعوبة بمكان، صناعة جيل يمتلك وعيا عاليا على قدر المسؤولية الأخلاقية التي تقع على كل فرد يشاركنا الحياة في الدولة والمجتمع، هذه الصعوبة ناتجة بسبب التربية الأسرية الخاطئة او الاديولوجيا السياسية للمنظومات الشمولية التي توصف بانها أنظمة حكومية توليتاريا مستبدة تتدخل في كل الحيثيات ومعيشة الانسان، ولا تترك له مجالاً في نوع الإنتاج والإبداع والابتكار.
وبما ان اغلب الصراعات التي تحدث بين الجماعات هي بسبب العامل الديني أو الطائفي، اذن سنحاول ان نعرض اهم الأمثلة التاريخية والعملية التي عالجت هذه الهواجس والمخاوف للجماعات، مع الخروج بالنتائج التي يمكن ان تكون معياراً لحقيقة وجود القيادة العامة.
اقتبس هنا حدثاً تاريخياً مهماً من تاريخ الشرق القديم، ثم احاول ان أوظفه وأحلل مبانيه في سبيل تقريب النماذج المتشابهة وبيان ادوات النقص ووسائل القيادة.
يعد مؤسس الدولة المغولية ظهير الدين محمد بابر الذي ( حكم من ١٢٥٦م-١٥٣٠م )
انه دعى ابنه إلى عدم تغليب انتمائه الديني في تسيير الشؤون الادارية للدولة والى عدم ذبح البقر وعدم هدم أي مكان للعبادة لغير المسلمين والى نشر الإسلام عن طريق المحبة والى تجاوز الخلافات بين المذاهب الإسلامية. ثم قدم وصيته لابنه التي تحقق استقرار المملكة وبقاءها، يقول:
أي بني ان دولة الهند مليئة بالعقائد المتباينة والحمد لله الحقّ العلّي المجيد ان وهبك ملكها وانه لمن الصواب ان تقدم بقلب خال من كل تعصّب ديني على نشر العدل تبعاً لعقائد كل جماعة من الناس، وبوجه خاص ان تمتنع عن ذبح البقر فان هذا هو السبيل لامتلاك قلوب الشعب في هندستان. ورعايا مملكتك سيخلصون لك الاخلاص كلّه اذا أحسّوا منك حدباً وعطفاً.
والهياكل وأماكن العبادة التابعة لكل فرقة دينية تحت حكمك يجب ان لا تخربها، وانشر العدل بين الناس حتى يعيش الحاكم سعيداً مع رعاياه وحتى يعيش الرعايا سعداء مع حاكمهم. وان الإسلام ليتحقّق بسلاح العطف والمحبة خيراً مما يتحقق بسلاح الضغط والاضطهاد.
ثم بعد ذلك يأتي أولاده وأحفاده في تسنم مسؤولية الحكم، ولعلّ أشهرهم حفيده السلطان جلال الدين محمد اكبر المولود من أب سني وأم شيعية وبني ببضع أميرات هندوسيات.
حيث كان يتعبد في كهف، لا يظهر عبادته وطقوسه إلى احد، العلاقة بينه وبين الله أخفاه، وما بينه وبين الرعايا أبداه. دام سلطانه لمدة ثلاثة مائة سنة وكأنه أوقف فكرة انهيار الدولة عند ابن خلدون الذي يرى ان الدولة لا يمكن ان تدوم لأكثر من ١٢٠سنة .
السؤال الذي يُطرح حول الكيفية التي استخدمها السلطان جلال الدين في ديمومة بقاء الدولة وثباتها، يمكن ان نعد مجموعة من النقاط التي تشفي فضول السؤال:
اولاً: احترام المشاعر الدينية، ولأجل ذلك سمح لحريمه من الهندوسيين باداء شعائرهن داخل قصره.
وهذا يدل على الفهم الواسع للدين والحالة النفسية التي تجعل من المتدين ان يتمسك بتاريخه الديني.
ثانياً: شارك جميع الجماعات الدينية أعيادها واحتفالاتها حتى كان يرتدي ملابس كهان الهندوس ويشعل النار ويسجد للشمس مع الساجدين ويتزين بالتمائم الزاردشتية. لا يفعل ذلك من باب الترويج الاعلامي او التزويق بل هذه الممارسات نابعة من مبادئ فلسفة الدين التي تترافق مع مقولة ( من اعتقد بحجر كفاه) أو ( الطرق إلى الله بعدد انفاس الخلائق).
ثالثاً: إيقاف جميع رسوم الحج المفروضة على الهندوس عند زيارة مقدساتهم.
رابعاً: إنشاء دار للترجمة لأجل ترجمة عيون الكتب الهندوسية.
هنا اثبت السلطان جلال الدين محمد اكبر انه قائد أجتماعي وسياسي كبير، أدركَ أسرار عجلة الدولة وحركتها في الوجهة الصحيحة، ومراعاة العامل النفسي واهمية الحرية العقائدية والدينية، مستخلصا من كل ذلك، ان ليس هناك من خطر على الدين، ذلك ان الدين موجود في البعد التاريخي والاجتماعي والنفسي للإنسان.
هذه الخطوات المختصرة والعميقة في حوار العقل، أسست لدولة دام بقاءها لثلاثة قرون. حيث لم تستخدم المفاهيم المعاصرة ولا التكنولوجيا او الثورة الإلكترونية. بل انطلقت من الخبرة التراكمية بالإضافة إلى الاطلاع التاريخي على بناء الدول وزوالها، والاستفادة من معرفة أسباب بقاء الدول دونها.
نستخلص من ذلك ان هناك نوعان من التصدي لقيادة المجتمع:
الأولى: يمكن ان تتحقق من خلال الوجاهة الدينية أو الزعامة السياسية والحزبية، لكن رغم كل ذلك تبقى هذه غير مطلقة ومحدودة العمل، حيث ان القيادة هي التي حددت كيانها من خلال ادائها ودورها المرتبط بكمية الأفكار التي تتبناها في رؤيتها لمسار الدولة والشعب.
الثانية وهي: القيادة العامة والمطلقة لكل التنوعات الاثنية والعرقية، وتعد هذه هي الأكبر مساحة ودورا واهمية،لذا عليها دفع الضريبة التي تتحول من خلالها من شخصية محدودة المسار إلى شخصية عامة هي للجميع، لكن بشرط ان تفهم أهمية دورها الحقيقي التي تجعل من الجماهير والجماعات ان تتوحد وتتكاتف تحت قيادتها، حتى تستطيع ان تعبر بالأزمات إلى قصص النجاح. اذ لا تنحصر هذه المواصفات في الهيكلية العليا للدولة فحسب، بل في كل من يرى في نفسه مشروع حلم للحياة .
بطبيعة الحال هذه الإجراءات التي نتوسلها هي اجراءات علمية صارمة لا تقبل المواقف السابقة التي تقدم نفسها على طبيعة الواقع و إلباس الأحداث بمصطلحات جاهزة. وفي العموم تكاد تكون العملية السياسية لا تعتمد البتة على التحليل العلمي الاجتماعي في تطور تكوين المجتمع. بل ان عملها قد يسبق عملية التفكير العلمي. ومن هنا نحاول ان نطرح مفهوم ومعنى القيادة التي تحاول ان تبرز دورها في تزعم التنوعات الاجتماعية في جغرافية بعينها ووطن واحد، وتوضيح معايير القيادة العامة،وكيفية نمو قيمتها الاجتماعية، في هذه التصادمات وأصوات الضجيج المرتفع؟ وفي النهاية هل اننا نمتلك رصيدا جيدا من القيادات؟
في البدء لابد ان نقرّ ونعترف بصعوبة العمل السياسي في دولة ترعى مجموعات طائفية أو عرقية اذا لم تحقق الدولة أمنا اجتماعيا يعكس بظلاله على الشعور الفرداني ويخلق مساحة كبيرة من الاطمئنان الذي ينتج مواطنا سوياً.
السؤال الاستراتيجي الذي يطرحه العقل الإنساني هو: حول البحث عن ماهية ونوعية القيادة التي يمكن لها ان توفر لنا مجموعة العوامل التي تساعد في إنشاء مجتمع معافى من عقد الفوقية التي لطالما تربت عليها الأجيال منذ النشأة والبناء، وقد تكون من الصعوبة بمكان، صناعة جيل يمتلك وعيا عاليا على قدر المسؤولية الأخلاقية التي تقع على كل فرد يشاركنا الحياة في الدولة والمجتمع، هذه الصعوبة ناتجة بسبب التربية الأسرية الخاطئة او الاديولوجيا السياسية للمنظومات الشمولية التي توصف بانها أنظمة حكومية توليتاريا مستبدة تتدخل في كل الحيثيات ومعيشة الانسان، ولا تترك له مجالاً في نوع الإنتاج والإبداع والابتكار.
وبما ان اغلب الصراعات التي تحدث بين الجماعات هي بسبب العامل الديني أو الطائفي، اذن سنحاول ان نعرض اهم الأمثلة التاريخية والعملية التي عالجت هذه الهواجس والمخاوف للجماعات، مع الخروج بالنتائج التي يمكن ان تكون معياراً لحقيقة وجود القيادة العامة.
اقتبس هنا حدثاً تاريخياً مهماً من تاريخ الشرق القديم، ثم احاول ان أوظفه وأحلل مبانيه في سبيل تقريب النماذج المتشابهة وبيان ادوات النقص ووسائل القيادة.
يعد مؤسس الدولة المغولية ظهير الدين محمد بابر الذي ( حكم من ١٢٥٦م-١٥٣٠م )
انه دعى ابنه إلى عدم تغليب انتمائه الديني في تسيير الشؤون الادارية للدولة والى عدم ذبح البقر وعدم هدم أي مكان للعبادة لغير المسلمين والى نشر الإسلام عن طريق المحبة والى تجاوز الخلافات بين المذاهب الإسلامية. ثم قدم وصيته لابنه التي تحقق استقرار المملكة وبقاءها، يقول:
أي بني ان دولة الهند مليئة بالعقائد المتباينة والحمد لله الحقّ العلّي المجيد ان وهبك ملكها وانه لمن الصواب ان تقدم بقلب خال من كل تعصّب ديني على نشر العدل تبعاً لعقائد كل جماعة من الناس، وبوجه خاص ان تمتنع عن ذبح البقر فان هذا هو السبيل لامتلاك قلوب الشعب في هندستان. ورعايا مملكتك سيخلصون لك الاخلاص كلّه اذا أحسّوا منك حدباً وعطفاً.
والهياكل وأماكن العبادة التابعة لكل فرقة دينية تحت حكمك يجب ان لا تخربها، وانشر العدل بين الناس حتى يعيش الحاكم سعيداً مع رعاياه وحتى يعيش الرعايا سعداء مع حاكمهم. وان الإسلام ليتحقّق بسلاح العطف والمحبة خيراً مما يتحقق بسلاح الضغط والاضطهاد.
ثم بعد ذلك يأتي أولاده وأحفاده في تسنم مسؤولية الحكم، ولعلّ أشهرهم حفيده السلطان جلال الدين محمد اكبر المولود من أب سني وأم شيعية وبني ببضع أميرات هندوسيات.
حيث كان يتعبد في كهف، لا يظهر عبادته وطقوسه إلى احد، العلاقة بينه وبين الله أخفاه، وما بينه وبين الرعايا أبداه. دام سلطانه لمدة ثلاثة مائة سنة وكأنه أوقف فكرة انهيار الدولة عند ابن خلدون الذي يرى ان الدولة لا يمكن ان تدوم لأكثر من ١٢٠سنة .
السؤال الذي يُطرح حول الكيفية التي استخدمها السلطان جلال الدين في ديمومة بقاء الدولة وثباتها، يمكن ان نعد مجموعة من النقاط التي تشفي فضول السؤال:
اولاً: احترام المشاعر الدينية، ولأجل ذلك سمح لحريمه من الهندوسيين باداء شعائرهن داخل قصره.
وهذا يدل على الفهم الواسع للدين والحالة النفسية التي تجعل من المتدين ان يتمسك بتاريخه الديني.
ثانياً: شارك جميع الجماعات الدينية أعيادها واحتفالاتها حتى كان يرتدي ملابس كهان الهندوس ويشعل النار ويسجد للشمس مع الساجدين ويتزين بالتمائم الزاردشتية. لا يفعل ذلك من باب الترويج الاعلامي او التزويق بل هذه الممارسات نابعة من مبادئ فلسفة الدين التي تترافق مع مقولة ( من اعتقد بحجر كفاه) أو ( الطرق إلى الله بعدد انفاس الخلائق).
ثالثاً: إيقاف جميع رسوم الحج المفروضة على الهندوس عند زيارة مقدساتهم.
رابعاً: إنشاء دار للترجمة لأجل ترجمة عيون الكتب الهندوسية.
هنا اثبت السلطان جلال الدين محمد اكبر انه قائد أجتماعي وسياسي كبير، أدركَ أسرار عجلة الدولة وحركتها في الوجهة الصحيحة، ومراعاة العامل النفسي واهمية الحرية العقائدية والدينية، مستخلصا من كل ذلك، ان ليس هناك من خطر على الدين، ذلك ان الدين موجود في البعد التاريخي والاجتماعي والنفسي للإنسان.
هذه الخطوات المختصرة والعميقة في حوار العقل، أسست لدولة دام بقاءها لثلاثة قرون. حيث لم تستخدم المفاهيم المعاصرة ولا التكنولوجيا او الثورة الإلكترونية. بل انطلقت من الخبرة التراكمية بالإضافة إلى الاطلاع التاريخي على بناء الدول وزوالها، والاستفادة من معرفة أسباب بقاء الدول دونها.
نستخلص من ذلك ان هناك نوعان من التصدي لقيادة المجتمع:
الأولى: يمكن ان تتحقق من خلال الوجاهة الدينية أو الزعامة السياسية والحزبية، لكن رغم كل ذلك تبقى هذه غير مطلقة ومحدودة العمل، حيث ان القيادة هي التي حددت كيانها من خلال ادائها ودورها المرتبط بكمية الأفكار التي تتبناها في رؤيتها لمسار الدولة والشعب.
الثانية وهي: القيادة العامة والمطلقة لكل التنوعات الاثنية والعرقية، وتعد هذه هي الأكبر مساحة ودورا واهمية،لذا عليها دفع الضريبة التي تتحول من خلالها من شخصية محدودة المسار إلى شخصية عامة هي للجميع، لكن بشرط ان تفهم أهمية دورها الحقيقي التي تجعل من الجماهير والجماعات ان تتوحد وتتكاتف تحت قيادتها، حتى تستطيع ان تعبر بالأزمات إلى قصص النجاح. اذ لا تنحصر هذه المواصفات في الهيكلية العليا للدولة فحسب، بل في كل من يرى في نفسه مشروع حلم للحياة .
0 تعليقات